والثريد غَالِبا لَا يكون إلاَّ بِاللَّحْمِ، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: فِي قَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،: (فضل عَائِشَة على النِّسَاء) الحَدِيث قيل: لم يرد عين الثَّرِيد، وَإِنَّمَا أَرَادَ الطَّعَام الْمُتَّخذ من اللَّحْم والثريد مَعًا، لِأَن الثَّرِيد غَالِبا لَا يكون إلاَّ من اللَّحْم، وَالْعرب قَلما تَجِد طبيخاً وَلَا سِيمَا بِلَحْم.

53 - (بابٌ {إنَّ قَارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى} (الْقَصَص: 67) . الْآيَة)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: {إِن قَارون كَانَ من قوم مُوسَى فبغى عَلَيْهِم وَآتَيْنَاهُ من الْكُنُوز مَا إِن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي الْقُوَّة إِذْ قَالَ لَهُ قومه لَا تفرح إِن الله لَا يحب الفرحين} (الْقَصَص: 67) . قَارون: إسم أعجمي مثل هَارُون غير منصرف للعلمية والعجمة، وَلَو كَانَ وَزنه فاعولاً لانصرف. قَوْله: (من قوم مُوسَى) أَي: من عشيرته، وَفِي نسبه إِلَى مُوسَى ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه كَانَ ابْن عَمه، قَالَه سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس، وَبِه قَالَ ابْن جريج وَعبد الله بن الْحَارِث. وَالثَّانِي: ابْن خَالَته، رَوَاهُ عَطاء عَن ابْن عَبَّاس. وَالثَّالِث: أَنه عَم مُوسَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَه ابْن إِسْحَاق، وَقيل: معنى كَونه من قومه أَنه آمن بِهِ، وَكَانَ أَقرَأ بني إِسْرَائِيل للتوراة، وَلكنه نَافق كَمَا نَافق السامري، قَالَ: إِذا كَانَت النُّبُوَّة لمُوسَى وَالذّبْح والقربان لهارون، فَمَالِي؟ فبغى عَلَيْهِ. قَالَ ابْن عَبَّاس: بغيه عَلَيْهِ هُوَ قذفه مُوسَى ببغية جعل لَهَا جعلا، وَقَالَ الضَّحَّاك: بغيه عَلَيْهِ هُوَ كفره بِاللَّه، وَقَالَ قَتَادَة: هُوَ كبره، وَقَالَ عَطاء: هُوَ أَنه زَاد فِي طول ثِيَابه شبْرًا. قَوْله: (وَآتَيْنَاهُ من الْكُنُوز) أَي: الْأَمْوَال المدخرة. قَوْله: (مَا إِن مفاتحه) ، كلمة: مَا، مَوْصُولَة. قَوْله: (لتنوء) ، خبر: إِن، والمفاتح، جمع مِفْتَاح أَي: مفاتح خزائنه لتنوء أَي: لتثقل بالعصبة وتميل بهم إِذا حملوها، والعصبة: الْجَمَاعَة الْكَثِيرَة، وَقيل: الْعصبَة عشرَة، وَقيل: خَمْسَة عشر، وَقيل: أَرْبَعُونَ، وَقيل: من عشرَة إِلَى أَرْبَعِينَ. قَوْله: (لتنوء) اللاَّم فِيهِ للتَّأْكِيد، وتنوء فعل مضارع من ناء نوءاً إِذا نَهَضَ بِهِ مُثقلًا، وروى أَن مفاتح خَزَائِن قَارون كَانَت وقر سِتِّينَ بغلاً غراً محجلة لكل خزانَة مِفْتَاح وَلَا يزِيد الْمِفْتَاح على إِصْبَع وَكَانَت من جُلُود الْإِبِل، وَيُقَال: كَانَت من الْحَدِيد، فَثقلَتْ عَلَيْهِ فَجَعلهَا من خشب، فَثقلَتْ عَلَيْهِ فَجَعلهَا من جُلُود الْبَقر، وَكَانَت خزائنه تحمل مَعَه حَيْثُ مَا ذهب. قَوْله: (أولي الْقُوَّة) ، صفة الْعصبَة. قَوْله: (إِذْ قَالَ لَهُ قومه) ، يَعْنِي: حِين قَالَ لَهُ قومه، وَكلمَة: إِذْ، مَنْصُوب بقوله: لتنوء، قَوْله: (لَا تفرح) ، يَعْنِي لَا تبطر إِن الله لَا يحب البطرين، وَقيل: مَعْنَاهُ لَا تفْسد إِن الله لَا يحب المفسدين، وَقيل: إِن الله لَا يحب المرحين.

لَتَنُوءُ لَتُثْقِلُ

أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {مَا إِن مفاتحه لتنوء بالعصبة} (الْقَصَص: 67) . وَفَسرهُ بقوله: لتثقل، كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أُولِي القُوَّةِ لَا يَرْفَعُهَا العُصْبَةُ مِنَ الرِّجَالِ

أَي: قَالَ عبد الله بن عَبَّاس فِي تَفْسِير: أولي الْقُوَّة، لَا يرفعها الْعصبَة من الرِّجَال، وَقد مر الْكَلَام فِي تَفْسِيره الْآن.

يُقالُ الفَرِحِينَ المَرِحِينَ

أَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {إِن الله لَا يحب الفرحين} (الْقَصَص: 67) . أَن مَعْنَاهُ: المرحين، وَهُوَ تَفْسِير ابْن عَبَّاس، أوردهُ ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَنهُ.

ويْكَأنَّ الله مِثْلُ ألَمْ تَرَ أنَّ الله

أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {ويْكَأنَّ الله يبسط الرزق لمن يَشَاء من عباده وَيقدر لَوْلَا أَن مَنَّ الله علينا لخسف بِنَا ويْكَأنَّهُ لَا يفلح الْكَافِرُونَ} (الْقَصَص: 28) . قلت: قَالَ الْخَلِيل: وي، وَحدهَا و: كَأَن، للتحقيق، وَقَالَ أَبُو الْحسن: وي إسم فعل، وَالْكَاف، حرف خطاب و: أَن، على إِضْمَار اللاَّم، وَالْمعْنَى أعجب: لِأَن الله. قَالَ البُخَارِيّ: إِن قَوْله: {ويكأن الله} مثل: {ألم تَرَ أَن الله} (الْقَصَص:) . وَهَكَذَا قَالَ الْمُفَسِّرُونَ، أَرَادَ أَن مَعْنَاهُ مثل معنى قَوْله: {ألم تَرَ أَن الله} (الْقَصَص:) . وَفِي (تَفْسِير النَّسَفِيّ) : وي، مفصولة عَن: كَأَن، وَهِي كلمة تَنْبِيه على الْخَطَأ والتندم، وَحكى الْفراء أَن أعرابية قَالَت لزَوجهَا: أَيْن ابْنك؟ فَقَالَ: ويكأنه وَرَاء البيتِ يَعْنِي: أما ترينه وَرَاء الْبَيْت؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015