على اسْم الله وبركته) ، وَكَانَت لَيْلَة مُقْمِرَة، وَرجع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى حجرته وَسَارُوا حَتَّى انْتَهوا إِلَى حصنه، فَهَتَفَ بِهِ أَبُو نائلة، وَكَانَ حَدِيث عهد بعرس، فَوَثَبَ فِي محلفة لَهُ فَأخذت امْرَأَته بناحيتها، وَقَالَت: إِلَى أَيْن فِي هَذِه السَّاعَة؟ فَقَالَ: إِنَّه أَبُو نائلة، لَو وجدني نَائِما أيقظني، فَقَالَت: وَالله إِنِّي لأعرف فِي صَوته الشَّرّ، فَقَالَ لَهَا كَعْب: لَو دعى الْفَتى إِلَى طعنة لَيْلًا لأجاب، ثمَّ نزل فَتحدث مَعَهم سَاعَة وتحدثوا مَعَه، ثمَّ قَالُوا: هَل لَك يَا ابْن الْأَشْرَف أَن نتماشى إِلَى شعب الْعَجُوز فنتحدث بِهِ بَقِيَّة ليلتنا هَذِه، قَالَ: نعم، إِن شِئْتُم، فَخَرجُوا يتماشون فَأخر الْأَمر أَخذ أَبُو نائلة بفود رَأسه، فَقَالَ: اضربوا عَدو الله، فضربوه فاختلفت عَلَيْهِ أسيافهم، فَلم تغن شَيْئا، قَالَ مُحَمَّد بن مسلمة: فَذكرت مغولاً لي فِي سَيفي، والمغول السَّيْف الصَّغِير، فَوَضَعته فِي ثنته وتحاملت عَلَيْهِ حَتَّى بلغ عانته، وَصَاح عَدو الله صَيْحَة لم يبْق حولنا حصن إلاَّ وَقد أوقد عَلَيْهِ نَار، وَوَقع عَدو الله، وَجِئْنَا آخر اللَّيْل إِلَى رَسُول لله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي فَأَخْبَرنَاهُ بقتْله ففرح، ودعا لنا. وَحكى الطَّبَرِيّ عَن الْوَاقِدِيّ، قَالَ: جاؤوا بِرَأْس كَعْب ابْن الْأَشْرَف إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي كتاب (شرف الْمُصْطَفى) : أَن الَّذين قتلوا كَعْبًا حملُوا رَأسه فِي المخلاة إِلَى الْمَدِينَة، فَقيل: إِنَّه أول رَأس حمل فِي الْإِسْلَام، وَقيل: بل رَأس أبي عزو الجُمَحِي الَّذِي قَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يلْدغ الْمُؤمن من جُحر مرَّتَيْنِ، فَقتل وجمل رَأسه إِلَى الْمَدِينَة فِي رمح، وَأما أول مُسلم حمل رَأسه فِي الْإِسْلَام فعمر بن الخمق، وَله صُحْبَة. فَإِن قلت: كَيفَ قتلوا كَعْبًا على وَجه الْغرَّة وَالْخداع؟ قلت: لما قدم مَكَّة وحرض الْكفَّار على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وشبب بنساء الْمُسلمين فقد نقض الْعَهْد، وَإِذا نقض الْعَهْد فقد وَجب قَتله بِأَيّ طَرِيق كَانَ، وَكَذَا من يجْرِي مجْرَاه كَأبي رَافع وَغَيره، وَقَالَ الْمُهلب: لم يكن فِي عهد من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بل كَانَ مُمْتَنعا بقَوْمه فِي حصنه، وَقَالَ الْمَازرِيّ: نقض الْعَهْد وَجَاء مَعَ أهل الْحَرْب معينا عَلَيْهِم، ثمَّ إِن ابْن مسلمة لم يُؤمنهُ لكنه كَلمه فِي البيع وَالشِّرَاء فاستأنس بِهِ، فَتمكن مِنْهُ من غير عهد وَلَا أَمَان. وَقد قَالَ رجل فِي مجْلِس عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: إِن قَتله كَانَ غدراً، فَأمر بقتْله فَضربت عُنُقه، لِأَن الْغدر إِنَّمَا يتَصَوَّر بعد أَمَان صَحِيح، وَقد كَانَ كَعْب مناقضاً للْعهد. قَوْله: (وسْقا) ، بِفَتْح الْوَاو وَكسرهَا: وَهُوَ سِتُّونَ صَاعا. قَوْله: (أَو وسقين) ، شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: (ارهنوني) ، فِيهِ لُغَتَانِ رهن وأرهن، فالفصيحة: رهن، والقليلة: أرهن. فَقَوله: ارهنوا على اللُّغَة الفصيحة بِكَسْر الْهمزَة، وعَلى اللُّغَة القليلة بِفَتْحِهَا. قَوْله: (فيُسب) على صِيغَة الْمَجْهُول، وَكَذَا قَوْله: رهن بوسق. قَوْله: (اللأمة) ، مَهْمُوزَة: الدرْع وَقد فسره سُفْيَان الرَّاوِي بِالسِّلَاحِ، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: اللأمة الدرْع، وَقيل: السِّلَاح، وَلأمة الْحَرْب أداته، وَقد ترك الْهمزَة تَخْفِيفًا، وَقَالَ ابْن بطال: لَيْسَ فِي قَوْلهم: نرهنك اللأمة، دلَالَة على جَوَاز رهن السِّلَاح عِنْد الْحَرْبِيّ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك من معاريض الْكَلَام الْمُبَاحَة فِي الْحَرْب وَغَيره، وَقَالَ السُّهيْلي: فِي قَوْله: من لكعب ابْن الْأَشْرَف، فَإِنَّهُ آذَى الله وَرَسُوله؟ جَوَاز قتل من سبّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِن كَانَ ذَا عهد، خلافًا لأبي حنيفَة فَإِنَّهُ لَا يرى بقتل الذِّمِّيّ فِي مثل هَذَا. قلت: من أَيْن يفهم من الحَدِيث جَوَاز قتل الذِّمِّيّ بالسب؟ أَقُول: هَذَا بحثا، وَلَكِن أَنا مَعَه فِي جَوَاز قتل الساب مُطلقًا.
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ الرَّهْن مركوب، يَعْنِي: إِذا كَانَ ظهرا يركب، وَإِذا كَانَ من ذَوَات الدّرّ يحلب، وَهَذِه التَّرْجَمَة لفظ حَدِيث أخرجه الْحَاكِم من طَرِيق الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: الرَّهْن مركوب ومحلوب، وَقَالَ: إِسْنَاده على شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَأخرجه ابْن عدي فِي (الْكَامِل) وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي (سنَنَيْهِمَا) من رِوَايَة أبراهيم بن محشر، قَالَ: حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة عَن الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (الرَّهْن محلوب ومركوب) ، قَالَ ابْن عدي: لَا أعلم رَفعه عَن أبي مُعَاوِيَة غير إِبْرَاهِيم بن محشر هَذَا، وَله مُنكرَات من جِهَة الْإِسْنَاد غير مَحْفُوظَة.
وَقَالَ مُغِيرَةُ عنْ إبْرَاهِيمَ: تُرْكَبُ الضَّالَّةُ بِقَدْرِ عَلَفِهَا وتُحْلَبُ بِقَدْرِ عَلَفِهَا والرَّهْنُ مِثْلُهُ