شهد بَدْرًا والمشاهد كلهَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقيل: إِنَّه اسْتَخْلَفَهُ على الْمَدِينَة عَام تَبُوك، روى عَنهُ جَابر وَآخَرُونَ، اعتزل الْفِتْنَة وَأقَام بالربذة وَمَات بِالْمَدِينَةِ فِي صفر سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين، وَقيل: سنة سبع وَأَرْبَعين وَهُوَ ابْن سبع وَسبعين سنة، وَصلى عَلَيْهِ مَرْوَان بن الحكم وَهُوَ يَوْمئِذٍ أَمِير الْمَدِينَة.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي المغاوي عَن عَليّ بن عبد الله وَفِي الْجِهَاد عَن قُتَيْبَة وَعبد الله بن مُحَمَّد فرقهما. وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَعبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الزُّهْرِيّ. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْجِهَاد عَن أَحْمد بن صَالح، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي السّير عَن عبد الله ابْن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (من لكعب بن الْأَشْرَف) أَي: من يتَصَدَّى لقَتله، وَقَالَ ابْن اسحاق كَانَ كَعْب بن الْأَشْرَف من طي ثمَّ أحد بني نَبهَان حَلِيف بني النَّضر، وَكَانَت أمه من بني النَّضر، وَاسْمهَا عقيلة بنت أبي الْحقيق، وَكَانَ أَبوهُ قد أصَاب دَمًا فِي قومه، فَأتى الْمَدِينَة فنزلها، وَلما جرى ببدر مَا جرى قَالَ: وَيحكم {أَحَق هَذَا؟ وَأَن مُحَمَّدًا قتل أَشْرَاف الْعَرَب وملوكها، وَالله إِن كَانَ هَذَا حَقًا فبطن الأَرْض خير من ظهرهَا، ثمَّ خرج حَتَّى قدم مَكَّة فَنزل على الْمطلب بن أبي ودَاعَة السَّهْمِي، وَعِنْده عَاتِكَة بنت أَسد بن أبي الْعيص بن أُميَّة بن عبد شمس، فَأكْرمه الْمطلب فَجعل ينوح ويبكي على قَتْلَى بدر، ويحرض النَّاس على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وينشد الْأَشْعَار، فَمن ذَلِك مَا حَكَاهُ الْوَاقِدِيّ من قصيدة عَيْنِيَّة طَوِيلَة من الوافر أَولهَا:

(طحنت رحى بدر بمهلك أَهله ... ولمثل بدر تستهل وتدمع)

(قتلت سراة النَّاس حول خيامهم ... لَا تبعدوا أَن الْمُلُوك تصرع)

فَأَجَابَهُ حسان بن ثَابت، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَقَالَ:

(أبكاه كَعْب ثمَّ عل بعبرة ... مِنْهُ وعاش مجدعاً لَا تسمع)

(وَلَقَد رَأَيْت بِبَطن بدر مِنْهُم ... قَتْلَى تسح لَهَا الْعُيُون وتدمع)

إِلَى آخرهَا ... وَبلغ ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: (من لكعب بن الْأَشْرَف؟) . وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: كَانَ كَعْب شَاعِرًا يهجو رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْمُسْلِمين ويظاهر عَلَيْهِم الْكفَّار، وَلما أصَاب الْمُشْركين يَوْم بدر مَا أَصَابَهُم اشْتَدَّ عَلَيْهِ. قَوْله: (فَقَالَ مُحَمَّد بن مُسلم: أَنا) ، أَي: أَنا لَهُ، أَي: لقَتله يَا رَسُول الله. وَاخْتلفُوا فِي كَيْفيَّة قَتله على وَجْهَيْن: أَحدهمَا لما ذكره البُخَارِيّ وَمُسلم أَيْضا فِي: بَاب قتل كَعْب بن الْأَشْرَف، فِي كتاب الْمَغَازِي، وَهُوَ قَوْله: قَالَ: يَا رَسُول الله} أَتُحِبُّ أَن أَقتلهُ؟ قَالَ: نعم، قَالَ: إئذن لي أَن أَقُول شَيْئا، قَالَ: قل ... إِلَى آخر الحَدِيث، ينظر هُنَاكَ. وَالْوَجْه الثَّانِي: مَا ذكره مُحَمَّد بن إِسْحَاق وَغَيره: لما قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من لكعب؟) قَالَ مُحَمَّد بن مسلمة: أَنا، فَرجع مُحَمَّد بن مسلمة فَأَقَامَ ثَلَاثًا لَا يَأْكُل وَلَا يشرب، وَبلغ ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَدَعَاهُ فَقَالَ: مَا الَّذِي مَنعك من الطَّعَام وَالشرَاب؟ فَقَالَ: لِأَنِّي قلت قولا وَلَا أَدْرِي أَفِي بِهِ أم لَا. فَقَالَ: (إِنَّمَا عَلَيْك الْجهد) ، فَقَالَ: يَا رَسُول الله! لَا بُد لنا أَن نقُول قولا، فَقَالَ: (قُولُوا مَا بدا لكم فَأنْتم فِي حل من ذَلِك) . وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق: فَاجْتمع فِي قَتله مُحَمَّد بن مسلمة وسلكان بن سَلامَة بن وقش وَهُوَ أَبُو نائلة الأشْهَلِي، وَكَانَ أَخا لكعب من الرضَاعَة وَعباد بن بشر بن وقش الأشْهَلِي وَأَبُو عبس بن حبر أَخُو بني حَارِثَة والْحَارث بن أَوْس، وَقدمُوا إِلَى ابْن الْأَشْرَف قبل أَن يَأْتُوا سلكان بن سَلامَة أَبَا نائلة، فجَاء مُحَمَّد بن مسلمة إِلَى كَعْب فَتحدث مَعَه سَاعَة وتناشدا شعرًا، ثمَّ قَالَ: وَيحك يَا ابْن الْأَشْرَف؟ إِنِّي قد جئْتُك لحَاجَة أُرِيد ذكرهَا لَك، فاكتم عَليّ. قَالَ: أفعل. قَالَ: كَانَ قدوم هَذَا الرجل علينا بلَاء من الْبلَاء، عادتنا الْعَرَب ورمونا عَن قَوس وَاحِدَة، وَقطعت عَنَّا السبل حَتَّى جَاع الْعِيَال وجهدت الْأَنْفس، وأصبحنا قد جهدنا وَجهد عيالنا، فَقَالَ: أَنا وَالله قد أَخْبَرتكُم أَن الْأَمر سيصير إِلَى هَذَا، ثمَّ جَاءَهُ من ذَكَرْنَاهُمْ، فَقَالَ لَهُ سلكان: إِنِّي أردْت أَن تبيعنا طَعَاما ونرهنك ونوثقك ونحسن فِي ذَلِك، فَقَالَ: أترهنوا فِي أَبْنَائِكُم؟ قَالَ: لقد أردْت أَن تفضحنا، أَن معنى أصحاباً على مثل رَأْيِي، وَقد أردْت أَن آتِيك بهم فتبيعهم ونحسن فِي ذَلِك، ونرهنك من الْحلقَة، يَعْنِي: السِّلَاح، مَا فِيهِ وَفَاء. فَقَالَ كَعْب: إِن فِي الْحلقَة لوفاء، فَرجع أَبُو نائلة إِلَى أَصْحَابه فَأخْبرهُم، فَأخذُوا السِّلَاح وَخَرجُوا يَمْشُونَ، وَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَهم إِلَى البقيع يَدْعُو لَهُم، وَقَالَ: انْطَلقُوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015