عَن أَبِيه فَالْأول: بريد، وَالثَّانِي: أَبُو بردة.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب تشبيك الْأَصَابِع فِي الْمَسْجِد وَغَيره، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، وَرَوَاهُ هُنَاكَ عَن خَلاد بن يحيى عَن سُفْيَان عَن بريد إِلَى آخِره.
قَوْله: (بعضه) فِي رِوَايَة الْكشميهني: (يشد بَعضهم) ، بِصِيغَة الْجمع، وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال.
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الِانْتِصَار، أَي: الانتقام.
لِقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ {لَا يُحِبُّ الله الجهْرَ بالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إلاَّ مَنْ ظُلِمَ وكانَ الله سَميعاً عَلِيماً (النِّسَاء: 841) .
هَذَا تَعْلِيل لجَوَاز الِانْتِصَار من الظَّالِم، وَقَالَ عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس: {لَا يحب الله الْجَهْر بالسوء من القَوْل إِلَّا من ظلم} (النِّسَاء: 841) . يَقُول: لَا يحب الله أَن يَدْعُو أحد على أحد إلاَّ أَن يكون مَظْلُوما، فَإِنَّهُ قد أرخص لَهُ أَن يَدْعُو على من ظلمه، وَذَلِكَ قَوْله: {إِلَّا من ظلم} (النِّسَاء: 841) . وَإِن صَبر فَهُوَ خير لَهُ، وَقَالَ عبد الرَّزَّاق: أخبرنَا الْمثنى بن الصَّباح عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {لَا يحب الله الْجَهْر بالسوء من القَوْل إلاَّ من ظلم} (النِّسَاء: 841) . قَالَ: ضاف رجل رجلا فَلم يؤد إِلَيْهِ حق ضيافته، فَلَمَّا خرج أخبر النَّاس، فَقَالَ: ضفت فلَانا فَلم يؤد إِلَيّ حق ضيافتي. قَالَ: فَذَلِك الْجَهْر بالسوء من القَوْل إلاَّ من ظلم حِين لم يؤد إِلَيْهِ الآخر حق ضيافته، وَقَالَ عبد الْكَرِيم بن مَالك الْجَزرِي، فِي هَذِه الْآيَة: هُوَ الرجل يشتمك فتشتمه، وَلَكِن إِن افترى عَلَيْك فَلَا تفتر عَلَيْهِ، لقَوْله تَعَالَى: {وَلمن انتصر بعد ظلمه فَأُولَئِك مَا عَلَيْهِم من سَبِيل} (الشورى: 14) . وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي هُرَيْرَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (المستبان مَا قَالَا، فعلى البادىء مِنْهُمَا مَا لم يعتدِ الْمَظْلُوم) .
{والَّذِينَ إذَا أصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} (الشورى: 93) .
الْبَغي الظُّلم: أَي: الَّذين إِذا أَصَابَهُم بغي الْمُشْركين فِي الدّين انتصروا عَلَيْهِم بِالسَّيْفِ، أَو إِذْ بغى عَلَيْهِم باغٍ كره أَن يستذلوا لِئَلَّا يجترىء عَلَيْهِم الْفُسَّاق، فَإِذا قدرُوا عفوا. وروى الطَّبَرِيّ من طَرِيق السّديّ فِي قَوْله: {وَالَّذين إِذا أَصَابَهُم الْبَغي هم ينتصرون} (الشورى: 93) . قَالَ: يَعْنِي فَمن بغى عَلَيْهِم من غير أَن يعتدوا، وروى النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت: (دخلت على زَيْنَب بنت جحش فسبتني، فردعها النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأَبت، فَقَالَ لي: سبيهَا فسببتها حَتَّى جف رِيقهَا فِي فمها، فَرَأَيْت وَجهه يَتَهَلَّل) .
قَالَ إبْرَاهِيمُ: كانُوا يَكْرَهُونَ أنْ يُسْتَذَلُّوا فإذَا قَدَرُوا عَفَوْا
إِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ. قَوْله: (كَانُوا) أَي: السّلف. قَوْله: (أَن يستذلوا) ، على صِيغَة الْمَجْهُول وَهُوَ من الذلك، وَهَذَا التَّعْلِيق ذكره عبد بن حميد فِي (تَفْسِيره) عَن قبيصَة عَنهُ، وَفِي رِوَايَة قَالَ مَنْصُور: سَأَلت إِبْرَاهِيم عَن قَوْله: {وَالَّذين إِذا أَصَابَهُم الْبَغي هم ينتصرون} (الشورى: 93) . قَالَ: كَانُوا يكْرهُونَ للْمُؤْمِنين أَن يذلوا أنفسهم فيجترىء الْفُسَّاق عَلَيْهِم.
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حسن عَفْو الْمَظْلُوم عَمَّن ظلمه.
لِقَوْلِهِ تعالاى: {إنْ تُبْدُوا خَيْراً أوْ تُخْفُوهُ أوْ تَعْفُوا عنْ سِوءٍ فإنَّ الله كانَ عَفُوُّاً قَدِيراً} (النِّسَاء: 941) .
هَذَا تَعْلِيل لحسن عَفْو الْمَظْلُوم. قَوْله: {إِن تبدوا} (النِّسَاء: 941) . أَي: تظهروا {خيرا} (النِّسَاء: 941) . بَدَلا من السوء {أَو تُخْفُوهُ} (النِّسَاء: 941) . أَي: أَو أخفيتموه، أَو عفوتم عَمَّن أَسَاءَ إِلَيْكُم فَإِن ذَلِك مِمَّا يقربكم إِلَى الله تَعَالَى ويجزل ثوابكم لَدَيْهِ، فَإِن من صِفَاته تَعَالَى أَن يعْفُو عَن عباده مَعَ قدرته على عقابهم، وَلِهَذَا قَالَ: {فَإِن الله كَانَ عفوا قَدِيرًا} (النِّسَاء: 941) . وَلِهَذَا ورد فِي الْأَثر أَن حَملَة الْعَرْش يسبحون الله تَعَالَى، فَيَقُول بَعضهم: سُبْحَانَكَ على حلمك بعد علمك، وَيَقُول بَعضهم: سُبْحَانَكَ على عفوك بعد قدرتك. وَفِي (الصَّحِيح) : (مَا نقص مَال من صَدَقَة، وَمَا زَاد الله عبدا بِعَفْو إلاَّ عزا، وَمن تواضع لله رَفعه الله) . وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ