وزبيب للنبيذ، وَيجوز أَن يكون هَذَا اسْتثِْنَاء مُنْقَطِعًا أَي: لَكِن النَّصْر وَنَحْوه باقٍ ثَابت. قَوْله: (وَقد ذهب الْمِيرَاث) أَي: من الْمُتَعَاقدين. قَوْله: (ويوصى لَهُ) ، على صِيغَة الْمَعْلُوم والمجهول، وَالضَّمِير فِي: لَهُ، يرجع إِلَى الَّذِي كَانَ يَرث الْمَيِّت بالأخوة، وَعَن ابْن الْمسيب: نزلت هَذِه الْآيَة: {وَلكُل جعلنَا موَالِي} (النِّسَاء: 33) . فِي الَّذين كَانُوا يتبنون رجَالًا غير أبنائهم ويورثونهم، فَأنْزل الله تَعَالَى فيهم أَن يَجْعَل لَهُم نصيب فِي الْوَصِيَّة، ورد الْمِيرَاث إِلَى الموَالِي من ذَوي الرَّحِم والعصبة، وأبى أَن يَجْعَل للمدعين مِيرَاث من أدعاهم وتبناهم، وَلَكِن جعل لَهُم نَصِيبا فِي الْوَصِيَّة.
3922 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ قَالَ حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ عنْ حُمَيْدٍ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ عَوْفٍ فآخَى رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَهُ وبَيْنَ سَعْدِ بنِ الرَّبِيع. .
هَذَا الحَدِيث قد مضى فِي أَوَائِل كتاب الْبيُوع، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن أَحْمد بن يُونُس عَن زُهَيْر عَن حميد عَن أنس، وَهنا أخرجه: عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر بن أبي كثير أبي إِبْرَاهِيم الْأنْصَارِيّ الْمُؤَدب الْمَدِينِيّ عَن حميد الطَّوِيل ... إِلَى آخِره، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
4922 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ الصَّبَّاحِ قَالَ حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ زَكَرِيَّاءَ قالَ حدَّثنا عاصِمٌ قَالَ قُلْتُ ل أِنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أبَلَغَكَ أنَّ النبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لاَ حِلْفَ فِي الإسلامِ فَقَالَ قَدْ حالَفَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَ قُرَيْشٍ والأنصَارِ فِي دارِي.
لذكر هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبَاب وَجه ظَاهر، وَمُحَمّد بن الصَّباح، بتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: أَبُو جَعْفَر الدولابي، أَصله هروي نزل بَغْدَاد وَإِسْمَاعِيل بن زَكَرِيَّا أَبُو زِيَاد الْأَسدي الخلقاني الْكُوفِي، وَعَاصِم هُوَ ابْن سُلَيْمَان الْأَحول.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي الِاعْتِصَام عَن مُسَدّد عَن عباد بن عباد. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن مُحَمَّد بن الصَّباح عَن حَفْص ابْن غياث، وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة، وَمُحَمّد بن عبد الله بن نمير، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْفَرَائِض عَن مُسَدّد عَن سُفْيَان ابْن عُيَيْنَة. قَوْله: (أبلغك؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستخبار. قَوْله: (لَا حلف) ، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام، وَفِي آخِره فَاء، وَهُوَ الْعَهْد يكون بَين الْقَوْم، وَالْمعْنَى: أَنهم لَا يتعاهدون فِي الْإِسْلَام على الْأَشْيَاء الَّتِي كَانُوا يتعاهدون عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّة، وَيدل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن إبيه عَن جُبَير ابْن مطعم مَرْفُوعا: لَا حلف فِي الأسلام، وَإِنَّمَا حلف كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة لم يزده الْإِسْلَام إلاَّ شدَّة، وَقَالَ ابْن سَيّده: معنى لَا حلف فِي الْإِسْلَام أَي: لَا تعاهد على فعل شَيْء كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة يتعاهدون، والمحالفة فِي حَدِيث أنس هِيَ الإخاء، قَالَه ابْن التِّين. قَالَ: وَذَلِكَ أَن الْحلف فِي الْجَاهِلِيَّة هُوَ بِمَعْنى النُّصْرَة فِي الْإِسْلَام. وَقَالَ الطَّبَرِيّ فِي (التَّهْذِيب) : فَإِن قيل: قد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا حلف فِي الْإِسْلَام) ، وَهُوَ يُعَارض قَول أنس: حَالف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين قُرَيْش وَالْأَنْصَار فِي دَاري بِالْمَدِينَةِ، قيل لَهُ: هَذَا كَانَ فِي أول الْإِسْلَام، آخى بَين الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار. قَالَ: وَالَّذِي قَالَ فِيهِ مَا كَانَ من حلف فَلَنْ يزِيدهُ الْإِسْلَام إلاَّ شدَّة، يَعْنِي: مَا لم ينسخه الْإِسْلَام وَلم يُبطلهُ حكم الْقُرْآن، وَهُوَ التعاون على الْحق والنصرة وَالْأَخْذ على يَد الظَّالِم.
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من تكفل عَن ميت دينا كَانَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ أَن يرجع عَن الْكفَالَة لِأَنَّهَا لَزِمته وَاسْتقر الْحق فِي ذمَّته. قيل يحْتَمل أَن يُرِيد فَلَيْسَ لَهُ أَن يرجع فِي التَّرِكَة بِالْقدرِ الَّذِي تكفل بِهِ. قلت: قد ذكرنَا أَن فِيهِ اخْتِلَاف الْعلمَاء، فَقَالَ ابْن أبي ليلى: الضَّمَان لَازم سَوَاء ترك الْمَيِّت شَيْئا أم لَا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا ضَمَان عَلَيْهِ، فَإِن ترك الْمَيِّت شَيْئا ضمن بِقدر مَا ترك، وَإِن ترك وَفَاء ضمن جَمِيع مَا تكفل بِهِ. وَلَا رُجُوع لَهُ فِي التَّرِكَة لِأَنَّهُ مُتَطَوّع. وَقَالَ مَالك: لَهُ الرُّجُوع إِذا ادَّعَاهُ.