الآخر، فنسخ ذَلِك فِي الْأَنْفَال: {وَأولُوا الْأَرْحَام بَعضهم أولى بِبَعْض} (الْأَنْفَال: 57) . وَفِي رِوَايَة أَحْمد أَنَّهَا نزلت فِي أبي بكر وَابْنه عبد الرَّحْمَن، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، حِين أَبى الْإِسْلَام، فَحلف أَبُو بكر أَن لَا يورثه. فَلَمَّا أسلم أمره الله عز وَجل: أَن يورثه نصِيبه. وَقَالَ أَبُو جَعْفَر النّحاس: الَّذِي يجب أَن يحمل عَلَيْهِ حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور فِي الْبَاب أَن يكون {وَلكُل جعلنَا موَالِي} (النِّسَاء: 33) . نَاسِخا لما كَانُوا يَفْعَلُونَهُ، وَأَن يكون {وَالَّذين عاقدت أَيْمَانكُم} (النِّسَاء: 33) . غير نَاسخ وَلَا مَنْسُوخ. وَقَالَ الْحسن وَقَتَادَة: إِنَّهَا مَنْسُوخَة، وَمثله يرْوى عَن ابْن عَبَّاس. وَمِمَّنْ قَالَ: إِنَّهَا محكمَة: مُجَاهِد وَسَعِيد بن جُبَير، وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة: وَقَالَ: هَذَا الحكم باقٍ غير مَنْسُوخ، وَجمع بَين الْآيَتَيْنِ بِأَن جعل أولى الْأَرْحَام أولى من أَوْلِيَاء المعاقدة، فَإِذا فقد ذَوُو الْأَرْحَام ورث المعاقدون وَكَانُوا أَحَق بِهِ من بَيت المَال. قَوْله: {إِن الله كَانَ على كل شَيْء شَهِيدا} (النِّسَاء: 33) . يَعْنِي: إِن الله شَاهد بَيْنكُم فِي تِلْكَ العهود والمعاقدات وَلَا تنشؤا بعد نزُول هَذِه الْآيَة معاقدة.
2922 - حدَّثنا الصَّلْتُ بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدثنَا أَبُو أُسامَةَ عنْ إدْرِيسَ عنْ طَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا {ولِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} (النِّسَاء: 33) . قَالَ ورَثَةً {والَّذِينَ عاقَدَتْ أيْمانُكُمْ} (النِّسَاء: 33) . قَالَ كانَ المُهَاجِرُونَ لَمَّا قَدِمُوا المَدِينَةَ يَرِثُ المُهَاجِرُ الأنْصَاريَّ دُونَ ذَوِي رَحِمِهِ لِلأُخُوَّةِ الَّتِي آخَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَهُمْ فلَمَّا نَزَلَتْ {ولِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَاليَ} (النِّسَاء: 33) . نَسَخَتْ ثُمَّ قَالَ {والَّذِينَ عاقَدَتْ أيْمَانُكُمْ} (النِّسَاء: 33) . إلاَّ النَّصْرَ والرِّفَادَةَ والنَّصِيحَةَ وقَدْ ذَهَبَ المِيرَاثُ ويُوصَى لَهُ.؟
وَجه دُخُول هَذَا الحَدِيث فِي الْكفَالَة وَالْحوالَة مَا قيل: إِن الْكَفِيل والغريم الَّذِي وَقعت الْحِوَالَة عَلَيْهِ ينْتَقل الْحق عَلَيْهِ كَمَا ينْتَقل هَهُنَا حق الْوَارِث عَنهُ إِلَى الْحلف، فَشبه انْتِقَال الْحق على الْمُكَلف بانتقاله عَنهُ، أَو بِاعْتِبَار أَن أحد الْمُتَعَاقدين كَفِيل عَن الآخر، لِأَنَّهُ كَانَ من جملَة المعاقدة، لأَنهم كَانُوا يذكرُونَ فِيهَا: تطلب بِي وأطلب بك، وتعقل عني وأعقل عَنْك، وَأما وَجه الْمُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث فَظَاهر.
ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: الصَّلْت، بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام وَفِي آخِره تَاء مثناة من فَوق: ابْن عبد الرَّحْمَن أَبُو همام الخاركي، مر فِي: بَاب إِذا لم يتم السُّجُود. الثَّانِي: أَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وَقد تكَرر ذكره. الثَّالِث: إِدْرِيس بن يزِيد من الزِّيَادَة الأودي، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْوَاو وبالدال الْمُهْملَة. الرَّابِع: طَلْحَة بن مصرف، بِلَفْظ اسْم الْفَاعِل من التصريف، بِمَعْنى: التَّغْيِير: ابْن عَمْرو اليامي من بني يام، مر فِي كتاب الْبيُوع فِي: بَاب مَا يتنزه من الشُّبُهَات. الْخَامِس: سعيد بن جُبَير. السَّادِس: عبد الله بن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه بَصرِي والبقية كوفيون. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ، وَطَلْحَة بن مصرف روى عَن عبد الله بن أبي أوفى.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن الصَّلْت بن مُحَمَّد أَيْضا، وَفِي الْفَرَائِض عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم. وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ جَمِيعًا فِي الْفَرَائِض عَن هَارُون بن عبد الله.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (قَالَ: وَرَثَة) أَي: فسر ابْن عَبَّاس الموَالِي بالورثة، وَكَذَا فَسرهَا جمَاعَة من التَّابِعين، كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب. قَوْله: (قَالَ) ، أَي: ابْن عَبَّاس: كَانَ الْمُهَاجِرُونَ. . إِلَى آخِره. قَوْله: (دون ذَوي رَحمَه) ، أَي: ذَوي أقربائه. قَوْله: (للأخوة) أَي: لأجل الْأُخوة الَّتِي آخى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمد الْهمزَة، يُقَال: آخاه يؤاخيه مؤاخاة وإخاء بِالْكَسْرِ: إِذا جعل بَينهمَا أخوة، والأخوة مصدر يُقَال: أحوت تاخوا إخْوَة. قَوْله: (بَينهم) أَي: بَين الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار. قَوْله: (فَلَمَّا نزلت) ، أَي: الْآيَة الَّتِي هِيَ قَوْله تَعَالَى: {وَلكُل جعلنَا موَالِي} (النِّسَاء: 33) . نسخت آيَة الموَالِي آيَة المعاقدة. قَوْله: (إِلَّا النَّصْر) ، مُسْتَثْنى من الْأَحْكَام الْمقدرَة فِي الْآيَة المنسوخة، أَي: تِلْكَ الْآيَة حكم نصيب الْإِرْث لَا النَّصْر والرفادة، بِكَسْر الرَّاء أَي: المعاونة، والرفادة أَيْضا شَيْء كَانَ تتوافد بِهِ قُرَيْش فِي الْجَاهِلِيَّة، يخرج مَالا يشترى بِهِ للْحَاج طَعَام