بِحَدِيث التَّأْبِير. انْتهى. قلت: هَل الْبَيْهَقِيّ عَن الدلالات الْأَرْبَعَة للنَّص، وَهِي عبارَة النَّص وإشارته ودلالته واقتضاؤه، وبهذه يكون الِاسْتِدْلَال بالنصوص، والطَّحَاوِي مَا ترك الْعَمَل بِالْحَدِيثِ، غَايَة مَا فِي الْبَاب أَنه اسْتدلَّ على مَا ذهب إِلَيْهِ بِإِشَارَة النَّص، والخصم اسْتدلَّ بعبارته، وهما سَوَاء فِي إِيجَاب الحكم، وَلم يُوَافق الْخصم فِي الْعَمَل بعبارته لِأَن عِبَارَته تَعْلِيق الحكم بالإبارة للتّنْبِيه على مَا لم يؤبر أَو لغير ذَلِك، فَافْهَم، فَإِن فِيهِ دقة عَظِيمَة لَا يفهمها إلاَّ من لَهُ يَد فِي وُجُوه الاستدلالات بالنصوص.
4022 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ نافِعٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ منْ باعَ نَخْلاً قَدْ أُبِرَّتْ فثَمَرُها لِلْبائِعِ إلاَّ أنْ يَشْتَرطَ المُبْتَاعُ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الشُّرُوط عَن عبد الله بن يُوسُف أَيْضا. وَأخرجه مُسلم فِيهِ عَن يحيى بن يحيى. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الشُّرُوط عَن مُحَمَّد بن سَلمَة عَن ابْن الْقَاسِم، وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي التِّجَارَات عَن هِشَام بن عمار، خمستهم عَن مَالك بِهِ، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ فِي أثر نَافِع قبله.
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم بيع الزَّرْع بِالطَّعَامِ كَيْلا، أَي: من حَيْثُ الْكَيْل، نصب على التَّمْيِيز.
5022 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدثنَا اللَّيْثُ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ نَهَى رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنِ المُزَابَنَةِ أنْ يَبِيعَ ثَمَرَ حائِطِهِ إنْ كانَ نَخْلاً بِتَمْرٍ كَيْلا وإنْ كانَ كَرْما أنْ يَبِيعَهُ بِزَبِيبٍ كَيْلاً أوْ كانَ زَرْعا أنْ يَبِيعَهُ بِكَيْلِ طَعامٍ ونَهىَ عنْ ذالِكَ كُلِّهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: وَإِن كَانَ زرعا أَن يَبِيعهُ بكيل طَعَام. والْحَدِيث أخرجه مُسلم وَالنَّسَائِيّ، كِلَاهُمَا فِي الْبيُوع نَحْو رِوَايَة البُخَارِيّ، وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي التِّجَارَات نَحوه.
قَوْله: (عَن الْمُزَابَنَة) ، قد مضى تَفْسِيرهَا غير مرّة. قَوْله: (أَن يَبِيع) ، يدل عَن الْمُزَابَنَة. قَوْله: (ثَمَر حَائِطه) ، بالثاء الْمُثَلَّثَة وَفتح الْمِيم، وَأَرَادَ بِهِ الرطب، والحائط هُوَ الْبُسْتَان من النّخل إِذا كَانَ عَلَيْهِ حَائِط، وَهُوَ الْجِدَار، وَجمعه: حَوَائِط. قَوْله: (إِن كَانَ نخلا) أَي: إِن كَانَ الْحَائِط نخلا، وَهَذِه الشُّرُوط تَفْصِيل لَهُ، وَيقدر جَزَاء الشَّرْط الثَّانِي نهى أَن يَبِيعهُ لقَرِينَة السِّيَاق، وَكَذَا يقدر جَزَاء الشَّرْط الأول. وَأما بيع الزَّرْع بِالطَّعَامِ فيسمى بالمحاقلة، وَأطلق عَلَيْهَا الْمُزَابَنَة تَغْلِيبًا أَو تَشْبِيها. وَقد مضى تَفْسِير المحاقلة أَيْضا. قَوْله: (وَنهى عَن ذَلِك) ، أَي: عَن الْمَذْكُور كُله.
وَقَالَ ابْن بطال: أجمع الْعلمَاء على أَنه لَا يجوز بيع الزَّرْع قبل أَن يقطع بِالطَّعَامِ لِأَنَّهُ بيع مَجْهُول بِمَعْلُوم، وَأما بيع رطب ذَلِك بيابسه بعد الْقطع وَإِمْكَان الْمُمَاثلَة فالجمهور لَا يجيزون بيع شَيْء من ذَلِك بِجِنْسِهِ، لَا مُتَفَاضلا وَلَا متماثلاً، خلافًا لأبي حنيفَة. قلت: هَذَا الحَدِيث مُشْتَمل على ثَلَاثَة أَحْكَام: الأول: بيع الثَّمر بالثاء الْمُثَلَّثَة على رُؤُوس النّخل بِالتَّمْرِ، وَهُوَ الْمُزَابَنَة وَهُوَ غير جَائِز. وَالثَّانِي: بيع الْعِنَب على رُؤُوس الْكَرم بالزبيب كَيْلا، وَهُوَ أَيْضا الْمُزَابَنَة، وَهُوَ أَيْضا غير جَائِز. وَالثَّالِث: بيع الزَّرْع على الأَرْض بكيل من طَعَام، وَهُوَ الْحِنْطَة، وَهَذَا محاقلة وَهُوَ أَيْضا غير جَائِز. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ المحاقلة بيع الزَّرْع بِالْحِنْطَةِ، والمزابنة بيع الثَّمر على رُؤُوس النَّحْل بِالتَّمْرِ، وَالْعَمَل على هَذَا عِنْد أهل الْعلم، كَرهُوا بيع المحاقلة والمزابنة. وَقَالَ بَعضهم: وَاحْتج الطَّحَاوِيّ لأبي حنيفَة فِي جَوَاز بيع الزَّرْع الرطب بالحب الْيَابِس بِأَنَّهُم أَجمعُوا على جَوَاز بيع الرطب بالرطب مثلا بِمثل، مَعَ أَن رُطُوبَة أَحدهمَا لَيست كرطوبة الآخر، بل يخْتَلف اخْتِلَافا متباينا، ثمَّ قَالَ: وَتعقب بِأَنَّهُ قِيَاس فِي مُقَابلَة النَّص فَهُوَ فَاسد، وَبِأَن الرطب بالرطب وَإِن تفَاوت لكنه نُقْصَان يسير، فعفى عَنهُ لقلته، بِخِلَاف الرطب بِالتَّمْرِ. فَإِن تفاوته تفَاوت كثير انْتهى. قلت: ... . .