على وُجُوههمَا أَمْوَاتًا؟) فَالْجَوَاب: أَنه لَا يحْشر أحد إلاَّ بعد الْمَوْت، فهما آخر من يَمُوت بِالْمَدِينَةِ، وَآخر من يحْشر بعد ذَلِك فِي (أَخْبَار الْمَدِينَة) لأبي زيد بن عمر بن شبة: عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: (آخر من يحْشر رجلَانِ، رجل من مزينة وَآخر من جُهَيْنَة، فَيَقُولَانِ: أَيْن النَّاس؟ فيأتيان الْمَدِينَة، فَلَا يريان إلاَّ الثعالب، فَينزل إِلَيْهِمَا ملكان فيسحبانهما على وُجُوههمَا حَتَّى يلحقاهما بِالنَّاسِ) . قَوْله: (ينعقان بغنمهما) ، من النعق وَهُوَ دُعَاء الرَّاعِي الشَّاء، قَالَه الْأَزْهَرِي عَن الْفراء وَغَيره، يُقَال: أنعق بضأنِكَ، أَي: ادعها. وَقد نعق الرَّاعِي بهَا نعيقا. وَفِي (الموعب) : نعيقا ونعاقا: إِذا صَاح بهَا الرَّاعِي زجرا، ونعقا ونعقانا وَقد نعق ينعق، من بَاب: علم يعلم، وَأغْرب الدَّاودِيّ فَقَالَ: مَعْنَاهُ يطْلب الْكلأ، فَكَأَنَّهُ فسره بِالْمَقْصُودِ من الزّجر. لِأَنَّهُ يزجرها عَن المرعى الوبيل إِلَى المرعى الوسيم. قَوْله: (فيجدانها وحوشا) أَي: يجدان أَهلهَا وحوشا جمع وَحش، أَو يجدان الْمَدِينَة ذَات وحوش، ويروى: وحوشا، بِفَتْح الْوَاو أَي: يجدانها خَالِيَة.، لَيْسَ بهَا أحد، وَقَالَ الجربي: الْوَحْش من الأَرْض هُوَ الْخَلَاء، وأصل الْوَحْش كل شَيْء توحش من الْحَيَوَان، وَقد يعبر بِوَاحِد عَن جمعه، وَعَن ابْن المرابط: مَعْنَاهُ أَن غنمها تصير وحوشا، إِمَّا أَن تنْقَلب ذَاتهَا فَتَصِير وحوشا، وَإِمَّا أَنَّهَا تنفر وتتوحش من أصواتهما، وَأنكر عِيَاض هَذَا، وَاخْتَارَ أَن يعود الضَّمِير إِلَى الْمَدِينَة. وَفِي رِوَايَة مُسلم: فيجدانها وحشا، أَي: خَالِيَة لَيْسَ بهَا أحد. قَوْله: (ثنية الْوَدَاع) ، هِيَ عقبَة عِنْد حرم الْمَدِينَة، سميت بذلك لِأَن الْخَارِج من الْمَدِينَة يمشي مَعَه المودعون إِلَيْهَا. قَوْله: (خرّا) بتَشْديد الرَّاء. أَي: سقطا ميتين، أَو سقطا بِمن أسقطهما، وَهُوَ الْملك.
5781 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ عَبْدِ الله بنِ الزُّبَيْرِ عنْ سفْيانَ بنِ أبِي زُهَيْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ تُفْتَحُ الْيَمَنُ فيَأتِي قَوْمٌ يُبِسُّونَ فيَتَحَمَّلُونَ بأهْلِيهِمْ ومَنْ أطَاعَهُمْ والمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ وتفْتَحُ الشَّأمُ فيَأتِي قَوْمٌ يُبِسُّونَ فيَتَحَمَّلُونَ بأهْلِهِمْ والمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ويُفْتَحُ العِرَاقُ فَيأتِي قَوْمٌ يُبِسُّونَ فيَتَحَمَّلُونَ بأهْلِيهمْ ومنْ أطَاعَهُمْ والمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن هَؤُلَاءِ الْقَوْم الْمَذْكُورين تفَرقُوا فِي الْبِلَاد بعد الفتوحات وَرَغبُوا عَن الْإِقَامَة فِي الْمَدِينَة، وَلَو صَبَرُوا على الْإِقَامَة فِيهَا لَكَانَ خيرا لَهُم، والترجمة فِيمَن رغب عَن الْمَدِينَة، وَهَؤُلَاء رَغِبُوا عَنْهَا، واختاروا غَيرهَا.
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: عبد الله بن يُوسُف التنيسِي، وَمَالك بن أنس، وَهِشَام بن عُرْوَة، وَأَبوهُ عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام، وَعبد الله بن الزبير أَخُو عُرْوَة بن الزبير، وسُفْيَان بن أبي زُهَيْر، بِضَم الزَّاي: مصغر الزهر النمري، بالنُّون: الْأَزْدِيّ ويلقب بِابْن أبي القرد، بِفَتْح الْقَاف وَبعدهَا دَال مُهْملَة، قَالَه الْكرْمَانِي، وَقيل: القرد هُوَ اسْم أبي زُهَيْر، وَقيل: اسْمه نمير، وَكَانَ نازلاً بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ الشنوئي من أَزْد شنُوءَة، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَضم النُّون وَبعد الْوَاو همزَة مَفْتُوحَة، وَفِي النّسَب كَذَلِك، وَقيل: بِفَتْح النُّون بعْدهَا همزَة مَكْسُورَة بِلَا وَاو، وشنوءة هُوَ: عبد الله بن كَعْب بن مَالك بن نضر بن الأزد، وَسمي شنُوءَة لشنئان كَانَ بَينه وَبَين قومه.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع. وَفِيه: الْإِخْبَار كَذَلِك فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: السماع وَالْقَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: رِوَايَة تَابِعِيّ عَن تَابِعِيّ لِأَن هشاما لَقِي بعض الصَّحَابَة. وَفِيه: رِوَايَة صَحَابِيّ عَن صَحَابِيّ. وَفِيه: فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: عَن سُفْيَان بن أبي زُهَيْر، وَرَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة: عَن هِشَام عَن أَبِيه، كَذَلِك وَقَالَ فِي آخِره: قَالَ عُرْوَة: ثمَّ لقِيت سُفْيَان بن أبي زُهَيْر عِنْد مَوته فَأَخْبرنِي بِهَذَا الحَدِيث. وَفِيه: أَن رُوَاته مدنيون مَا خلا شيخ البُخَارِيّ، وَالله أعلم.