5 - (بابُ مَنْ رَغِبَ عنِ المَدِينَةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حَال من رغب أَي أعرض عَن الْمَدِينَة، وَجَوَاب: من، مَحْذُوف تَقْدِيره: فَهُوَ مَذْمُوم، وَنَحْوه.

4781 - حدَّثنا أبُو اليَمَانِ قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبرنِي سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ سَمِعْتُ رسولَ الله يَقولُ تَتْرُكُونَ المَدِينَةَ عَلَى خيْرِ مَا كانَتْ لاَ يَغْشَاهَا إلاَّ العَوَاف يُريدُ عَوَافِيَ السِّبَاعِ والطَّيْرِ وآخِرُ منْ يْحْشَرُ رَاعِيَانِ مِنْ مُزَيْنَةَ يُرِيدَانِ المَدِينَةِ يَنْعِقَانِ بِغَنَمِهِما فيَجِدَانِهَا وحْشا حَتَّى إذَا بَلَغا ثَنِيَّةَ الوَدَاعِ خَرَّا عَلَى وُجِوهِهِمَا.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (تتركون الْمَدِينَة) ، فَإِن تَركهم رَغْبَة عَنْهَا.

وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَشُعَيْب بن حَمْزَة الْحِمصِي وَالزهْرِيّ مُحَمَّد بن مُسلم.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم من طَرِيق يُونُس عَن ابْن شهَاب عَن سعيد بن الْمسيب سمع أَبَا هُرَيْرَة يَقُول: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للمدينة: (ليتركنها أَهلهَا على خير مَا كَانَت مذللة للعواف) ، يَعْنِي: السبَاع، وَالطير، وَمن رِوَايَة عقيل بن خَالِد عَن ابْن شهَاب أَنه قَالَ: أَخْبرنِي سعيد بن الْمسيب أَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: (تتركون الْمَدِينَة) إِلَى آخِره نَحْو رِوَايَة البُخَارِيّ، غير أَنَّهَا فِي رِوَايَته: (ثمَّ يخرج راعيان من مزينة ينعقان بغنمها) . قَوْله: (تتركون) بتاء الْمُخَاطب فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَالْمرَاد بذلك غير المخاطبين، لكِنهمْ من أهل الْبَلَد وَمن نسل المخاطبين، وَقيل: نوع المخاطبين من أهل الْمَدِينَة، ويروى: يتركون، بياء الْغَيْبَة وَرجحه الْقُرْطُبِيّ. قَوْله: (على خير مَا كَانَت) ، أَي: على أحسن حَالَة كَانَت عَلَيْهِ من قبل، يَعْنِي: أعمرها وأكثرها ثمارا. قَوْله: (لَا يَغْشَاهَا) ، أَي: لَا يقربهَا وَلَا يَأْتِيهَا إلاَّ العواف، جمع عَافِيَة، وَهِي طلاب الرزق من الدَّوَابّ وَالطير. وَقَالَ ابْن سَيّده: الْعَافِيَة والعفاة والعفاء: الأضياف وطلاب الْمَعْرُوف، وَقيل: هم الَّذين يعفونك أَي يأتونك يطْلبُونَ مَا عنْدك، والعافي أَيْضا: الرائد والوارد، لِأَن ذَلِك كُله طلب. قَوْله: (يُرِيد عوافي الطير وَالسِّبَاع) ، تَفْسِير لقَوْله: العواف، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: اجْتمع فِي العوافي شَيْئَانِ: أَحدهمَا: أَنَّهَا طالبة لأقواتها من قَوْلك: عَفَوْت فلَانا أعفوه فَأَنا عافٍ، وَالْجمع: عفاة أَي: أتيت أطلب مَعْرُوفَة. وَالثَّانِي: من العفاء، وَهُوَ الْموضع الْخَالِي الَّذِي لَا أنيس بِهِ، فَإِن الطير والوحش تقصده لأمنها على نَفسهَا فِيهِ. وَقَالَ عِيَاض: وَقد وجد ذَلِك حَيْثُ صَارَت، أَي: الْمَدِينَة مَعْدن الْخلَافَة ومقصد النَّاس وملجأهم، وحملت إِلَيْهَا خيرات الأَرْض وَصَارَت من أعمر الْبِلَاد، فَلَمَّا انْتَقَلت الْخلَافَة مِنْهَا إِلَى الشَّام ثمَّ إِلَى الْعرَاق وتغلبت عَلَيْهَا الْأَعْرَاب وتعاورتها الْفِتَن، وخلت من أَهلهَا فقصدتها عوافي الطير وَالسِّبَاع، وَذكر الإخباريون أَنَّهَا خلت من أَهلهَا فِي بعض الْفِتَن الَّتِي جرت بِالْمَدِينَةِ، وَبقيت ثمارها للعوافي، كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وخلت مُدَّة ثمَّ تراجع النَّاس إِلَيْهَا، وَفِي حَال خلوها عَدَت الْكلاب على سواري الْمَسْجِد، وَعَن مَالك: حَتَّى يدْخل الْكَلْب أَو الذِّئْب فيعوي على بعض سواري الْمَسْجِد، وَقَالَ عِيَاض: هَذَا مِمَّا جرى فِي الْعَصْر الأول وانقضى، وَهَذَا من معجزاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ النَّوَوِيّ: الْمُخْتَار أَن هَذَا التّرْك يكون فِي آخر الزَّمَان عِنْد قيام السَّاعَة، ويوضحه قضة الراعبين، فقد وَقع عِنْد مُسلم بِلَفْظ: (ثمَّ يحْشر راعيان) ، وَفِي البُخَارِيّ: أَنَّهُمَا آخر من يحْشر، وَيُؤَيّد هَذَا مَا رَوَاهُ أَحْمد وَالْحَاكِم وَغَيرهمَا من حَدِيث محجن بن الأدرع الْأَسْلَمِيّ، قَالَ: (بَعَثَنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لحَاجَة، ثمَّ لَقِيَنِي وَأَنا خَارج من بعض طرق الْمَدِينَة، فَأخذ بيَدي حَتَّى أَتَيْنَا أحدا، ثمَّ أقبل على الْمَدِينَة، فَقَالَ: ويل أمهَا قَرْيَة يَوْم يَدعهَا أَهلا كأينع مَا يكون؟ قلت: يَا رَسُول الله {من يَأْكُل ثَمَرهَا؟ قَالَ: عَافِيَة الطير وَالسِّبَاع) . وروى عمر بن شبة بِإِسْنَاد صَحِيح، (عَن عَوْف بن مَالك، قَالَ: دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَسْجِد ثمَّ نظر إِلَيْنَا، فَقَالَ: أما وَالله لتدعنها مذللة أَرْبَعِينَ عَاما للعوافي} أَتَدْرُونَ مَا العوافي؟ الطير وَالسِّبَاع) . انْتهى. وَهَذَا لم يَقع قطعا. قَالَ الْمُهلب: فِي هَذَا الحَدِيث أَن الْمَدِينَة تسكن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وَإِن خلت فِي بعض الْأَوْقَات يقْصد الراعيان بغنمهما إِلَى الْمَدِينَة. قَوْله: (وَآخر من يحْشر راعيان) أَي: يساق ويجلى من الوطن. قَوْله: (من مزينة) ، بِضَم الْمِيم وَفتح الزَّاي: قَبيلَة من مُضر. وَفِي (التَّلْوِيح) : فَإِن قيل: فَمَا معنى قَوْله: (آخر من يحْشر راعيان؟) وَلم يذكر حشرهما، وَإِنَّمَا قَالَ: (يخران

طور بواسطة نورين ميديا © 2015