ابْن رَافع عَن عبد الرَّزَّاق بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة وَفِي (النعوت) عَن مُحَمَّد بن مَنْصُور كِلَاهُمَا عَن ابْن عُيَيْنَة بِهِ، وَفِي (النعوت) أَيْضا عَن مَحْمُود بن غيلَان وَعبد الْأَعْلَى بن وَاصل بن عبد الْأَعْلَى، كِلَاهُمَا عَن يحيى بن آدم عَن الثَّوْريّ بِهِ. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الصَّلَاة عَن هِشَام بن عمار وَأبي بكر بن خلاف فرقهما، كِلَاهُمَا عَن ابْن عُيَيْنَة بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (إِذا قَامَ من اللَّيْل يتهجد) ، وَفِي رِوَايَة مَالك عَن أبي الزبير عَن طَاوُوس: (إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة من جَوف اللَّيْل يتهجد) ، وَظَاهر الْكَلَام أَنه كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاء أول مَا يَقُول إِلَى الصَّلَاة، ويخلص الثَّنَاء على الله تَعَالَى بِمَا هُوَ أَهله وَالْإِقْرَار بوعده ووعيده، وَفِي رِوَايَة ابْن عَبَّاس حِين بَات عِنْد مَيْمُونَة أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما اسْتَيْقَظَ تَلا الْعشْر الْآيَات من آخر آل عمرَان، فَبلغ مَا شهده أَو بلغه، وَقد يكون كُله فِي وَقت وَاحِد، وَسكت هُوَ عَنهُ أَو نَسيَه النَّاقِل. قَوْله: (اللَّهُمَّ) أَصله: يَا الله، قَوْله: (أَنْت قيم السَّمَوَات وَالْأَرْض) ، وَفِي بعض النّسخ: (أللهم لَك الْحَمد قيم السَّمَوَات وَالْأَرْض) ، بِدُونِ لَفْظَة: أَنْت، وَلكنه مُقَدّر فِي صُورَة الْحَذف، لِأَن قيم السَّمَوَات وَالْأَرْض مَرْفُوع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، وَهُوَ: أَنْت، وَفِي رِوَايَة أبي الزبير الْمَذْكُور: (أَنْت قيام السَّمَوَات وَالْأَرْض) ، والقيم وَالْقِيَام والقيوم بِمَعْنى وَاحِد، وَهُوَ الدَّائِم الْقيام بتدبير الْخلق الْمُعْطِي لَهُ مَا بِهِ قوامه، أَو الْقَائِم بِنَفسِهِ الْمُقِيم لغيره، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وقرىء الْقيام والقيم، وَقيل: قَرَأَ بهما عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقَالَ ابْن عَبَّاس: القيوم هُوَ الَّذِي لَا يَزُول وَقيل هُوَ الْقَائِم على كل نفس، وَمَعْنَاهُ مُدبر أمرهَا، وَقيل: قيام على الْمُبَالغَة من قَامَ بالشَّيْء إِذا هيأ لَهُ جَمِيع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ، وَقيل: قيم السَّمَوَات وَالْأَرْض خالقهما وممسكهما أَن تَزُولَا، وَقَرَأَ عَلْقَمَة {الْحَيّ الْقيم} وَأَصله: قيوم، على وزن: فيعل، مثل: صيب أَصله: صيوب، اجْتمعت الْوَاو وَالْيَاء وسبقت إِحْدَاهمَا بِالسُّكُونِ، فقلبت الْوَاو يَاء وأدغمت الْيَاء فِي الْيَاء، وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: أصل القيوم القيووم، فَلَمَّا اجْتمعت الْيَاء وَالْوَاو، وَالسَّابِق سَاكن جعلتا: يَاء، مُشَدّدَة وأصل: الْقيام القوام، قَالَ الْفراء وَأهل الْحجاز: يصرفون الفعال إِلَى الفيعال، يَقُولُونَ للصواغ: صياغ. قَالَه الْأَنْبَارِي فِي (الْكتاب الزَّاهِر) ، وَقَالَ قَتَادَة: معنى الْقيم الْقَائِم على خلقه بآجالهم وأعمالهم وأرزاقهم، وَقَالَ الْكَلْبِيّ:) هُوَ الَّذِي لَا بديل لَهُ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: القيوم الْقَائِم على الْأَشْيَاء. قَوْله: (أَنْت نور السَّمَوَات وَالْأَرْض) أَي: منورهما وقرىء {الله نور السَّمَوَات وَالْأَرْض} (النُّور: 53) . على صِيغَة الْمَاضِي من التَّنْوِير، وَقَالَ ابْن عَبَّاس: هادىء أهلهما. وَقيل: منزه فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض من كل عيب ومبرأ من كل رِيبَة، وَقيل: هُوَ اسْم مدح، يُقَال: فلَان نور الْبَلَد وشمس الزَّمَان. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة: مزين السَّمَوَات بالشمس وَالْقَمَر والنجوم، ومزين الأَرْض بالأنبياء وَالْعُلَمَاء والأولياء. وَقَالَ ابْن بطال: (أَنْت نور السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمن فِيهِنَّ) ، أَي: بنورك يَهْتَدِي من فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض. وَقيل: مَعْنَاهُ ذُو نور السَّمَوَات وَالْأَرْض. قَوْله: (أَنْت ملك السَّمَوَات وَالْأَرْض) كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (لَك ملك السَّمَوَات وَالْأَرْض) . قَوْله: (أَنْت الْحق) ، مَعْنَاهُ: المتحقق وجوده، وكل شَيْء صَحَّ وجوده وَتحقّق فَهُوَ حق، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {الحاقة} (الحاقة: 01) . أَي: الكائنة حَقًا بِغَيْر شكّ، وَهَذَا الْوَصْف لله تَعَالَى بِالْحَقِيقَةِ والخصوصية وَلَا يَنْبَغِي لغيره، وَقَالَ ابْن التِّين: يحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ: أَنْت الْحق بِالنِّسْبَةِ إِلَى من يَدعِي فِيهِ أَنه إِلَه، أَو بِمَعْنى: أَن من سماك إل هَا فقد قَالَ الْحق، وَإِنَّمَا عرف الْحق فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وهما: (أَنْت الْحق وَوَعدك الْحق) ، ونكر فِي الْبَوَاقِي لِأَن الْمسَافَة بَين الْمُعَرّف بِاللَّامِ الجنسية والنكرة قريبَة: بل صَرَّحُوا بِأَن مؤداهما وَاحِد لَا فرق إلاَّ بِأَن فِي الْمعرفَة إِشَارَة إِلَى أَن الْمَاهِيّة الَّتِي دخل عَلَيْهَا اللَّام مَعْلُومَة للسامع، وَفِي النكرَة لَا إِشَارَة إِلَيْهِ، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: عرفهما للحصر لِأَن الله هُوَ الْحق الثَّابِت الْبَاقِي وَمَا سواهُ فِي معرض الزَّوَال، وَكَذَا وعده مُخْتَصّ بالإنجاز دون وعد غَيره، والتنكير فِي الْبَوَاقِي للتعظيم. قَوْله: (وَوَعدك الْحق) الْوَعْد يُطلق وَيُرَاد بِهِ الْخَيْر وَالشَّر كِلَاهُمَا، وَالْخَيْر أَو الشَّرّ خَاصَّة. قَالَ الله تَعَالَى: {الشَّيْطَان يَعدكُم الْفقر} (الْبَقَرَة: 862) . وَلَيْسَ فِي وعد الله خلف، فَلَا يخلف الميعاد {وَيجْزِي الَّذين أساؤا بِمَا عمِلُوا} (النَّجْم: 13) . إلاّ مَا تجَاوز عَنهُ: {وَيجْزِي الَّذين احسنوا بِالْحُسْنَى} (النَّجْم: 13) . وَقيل فِي قَوْله: {إِن الله وَعدكُم وعد الْحق} (ابراهيم: 22) . أَي: وعد الْجنَّة من أطاعه ووعد النَّار من كفر بِهِ، وَيحْتَمل أَن يُرِيد: أَن وعده حق بِمَعْنى إِثْبَات أَنه قد وعد بالخق بِالْبَعْثِ والحشر وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب إنكارا لقَوْل من أنكر وعده بذلك، وَكذب الرُّسُل فِيمَا بلغوه من وعده ووعيده. قَوْله: (ولقاؤك حق) اللِّقَاء الْبَعْث أَو رُؤْيَة الله تَعَالَى، وَقيل: الْمَوْت، وَفِيه ضعف ورده النَّوَوِيّ. قَوْله: (وقولك حق) أَي: صدق وَعدل. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: القَوْل يُوصف بِالصّدقِ وَالْكذب، يُقَال: قَول صدق أَو كذب، وَلِهَذَا قيل: الصدْق هُوَ بِالنّظرِ إِلَى القَوْل المطابق