يحْتَمل أَنه كَانَ لَا يرى بِوُجُوب الْوتر، وَكَانَ الْوتر عِنْده كَسَائِر التطوعات، فَيجوز فعله على الدَّابَّة وعَلى الأَرْض، لِأَن صلَاته إِيَّاه على الأَرْض لَا يَنْفِي أَن يكون لَهُ أَن يُصَلِّي على الرَّاحِلَة. وَأما إيتاره، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على الرَّاحِلَة فَيجوز أَن يكون ذَلِك قبل أَن يلفظ امْر الْوتر ثمَّ أحكم من بعد وَلم يرخص فِي تَركه، فالتحق بالواجبات فِي هَذَا الْأَمر بالأحاديث الَّتِي ذَكرنَاهَا عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة فِي الْبَاب السَّابِق، وَوجه النّظر وَالْقِيَاس أَيْضا يَقْتَضِي عدم جَوَازه على الرَّاحِلَة، بَيَان ذَلِك أَن الأَصْل الْمُتَّفق عدم جَوَاز صَلَاة الرجل وتره على الأَرْض قَاعِدا، وَهُوَ يقدر على الْقيام، فالنظر على ذَلِك أَن لَا يصليه فِي السّفر على رَاحِلَته وَهُوَ يُطيق النُّزُول. قَالَ الطَّحَاوِيّ: فَمن هَذِه الْجِهَة عِنْدِي ثَبت نسخ الْوتر على الرَّاحِلَة. فَإِن قلت: مَا حَقِيقَة النّسخ فِي ذَلِك وَمَا وَجهه؟ قلت: وَجه ذَلِك أَن يكون بِدلَالَة التَّارِيخ، وَهُوَ أَن يكون أحد النصين مُوجبا للْمَنْع وَالْآخر مُوجبا للْإِبَاحَة، فَإِن التَّعَارُض بَين الْحَدِيثين الْمَذْكُورين ظَاهر، ثمَّ يَنْتَفِي ذَلِك بِدلَالَة التَّارِيخ، وَهُوَ أَن يكون النَّص الْمُوجب للْمَنْع مُتَأَخِّرًا عَن الْمُوجب للْإِبَاحَة، فَكَانَ الْأَخْذ بِهِ أولى وأحق. فَإِن قلت: كَيفَ يكون النّسخ بِمَا ذكرت وَقد صَحَّ عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يُوتر على رَاحِلَته بعد النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَيَقُول: كَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يفعل ذَلِك؟ قلت: قد قُلْنَا: إِنَّه كَانَ يجوز أَن يكون الْوتر عِنْده كالتطوع، فَحِينَئِذٍ يكون لَهُ الْخِيَار فِي الصَّلَاة على الرَّاحِلَة وعَلى الأَرْض كَمَا فِي التَّطَوُّع، على أَن مُجَاهدًا قد روى عَنهُ أَنه كَانَ ينزل للوتر، على مَا ذكرنَا، فعلى هَذَا يجوز أَن يكون مَا فعله من وتره على الرَّاحِلَة قبل علمه بالنسخ، ثمَّ لما علمه رَجَعَ إِلَيْهِ وَترك الْوتر على الرَّاحِلَة، وَبِهَذَا التَّقْرِير الَّذِي ذَكرْنَاهُ بَطل مَا قَالَه ابْن بطال: هَذَا الحَدِيث أَي: حَدِيث الْبَاب حجَّة على أبي حنيفَة فِي إِيجَابه الْوتر، لِأَنَّهُ لَا خلاف أَنه لَا يجوز أَن يُصَلِّي الْوَاجِب رَاكِبًا فِي غير حَال الْعذر، وَلَو كَانَ الْوتر وَاجِبا مَا صلاه رَاكِبًا، وَكَذَلِكَ بَطل مَا قَالَه الْكرْمَانِي. فَإِن قيل: روى مُجَاهِد أَن ابْن عمر نزل فأوتر قُلْنَا: نزل طلبا للأفضل، لَا أَن ذَلِك كَانَ وَاجِبا، وَبَطل أَيْضا مَا قَالَه بَعضهم: إِن هَذَا الحَدِيث يدل على كَون الْوتر نفلا، فيا للعجب من هَؤُلَاءِ كَيفَ تركُوا الْأَحَادِيث الدَّالَّة على وجوب الْوتر، وَتركُوا الْإِنْصَاف، وسلكوا طَرِيق التعسف لترويج مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ من غير برهَان قَاطع.
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْوتر فِي السّفر، قيل: إِنَّه أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى الرَّد على من قَالَ: إِن الْوتر لَا يسن فِي السّفر. وَقَالَ ابْن بطال: الْوتر سنة مُؤَكدَة فِي السّفر والحضر، وَهَذَا رد على الضَّحَّاك فِيمَا قَالَ: إِن الْمُسَافِر لَا وتر عَلَيْهِ.
0001 - حدَّثنا مُوساى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا جُوَيْرَةُ بنُ أسمَاءٍ عنِ ابْن عُمَرَ قَالَ كَانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ يُومِىءُ إيمَاءً صَلاَةَ اللَّيْل إلاَّ الفَرَائِضَ ويُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (ويوتر على رَاحِلَته) .
ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: مُوسَى بن إِسْمَاعِيل أَبُو سَلمَة الْمنْقري التَّبُوذَكِي. الثَّانِي: جوَيْرِية تَصْغِير جَارِيَة بِالْجِيم ابْن أَسمَاء، بِفَتْح الْهمزَة وبالمد على وزن: حَمْرَاء، مر فِي كتاب الْغسْل فِي: بَاب الْجنب يتَوَضَّأ. الثَّالِث: نَافِع مولى ابْن عمر. الرَّابِع: عبد الله بن عمر بن الْخطاب.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: أَن شَيْخه بَصرِي وَشَيخ شَيْخه أَيْضا وَالثَّالِث مدنِي، وَهُوَ من الرباعيات، وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (على رَاحِلَته) الرَّاحِلَة: النَّاقة الَّتِي تصلح لِأَن ترحل، وَكَذَلِكَ الرحول، وَيُقَال: الرَّاحِلَة الْمركب من الْإِبِل ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى، قَالَه الْجَوْهَرِي. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الرَّاحِلَة من الْإِبِل: الْبَعِير الْقوي على الْأَسْفَار والأحمال، وَالذكر وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاء، وَالْهَاء فِيهَا للْمُبَالَغَة، وَهِي الَّتِي يختارها الرجل لمركبه ورحله على النجابة وَتَمام الْخلق وَحسن المنظر،