فَقُلْتُ خَشِيتُ الصُّبْحَ فنَزَلْتُ فأوْتَرْتُ فَقَالَ عَبْدُ الله ألَيْسَ لَكَ فِي رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أسْوَةٌ حَسَنَةٌ فَقُلْتُ بَلَى وَالله قَالَ فإنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يُوتِرُ عَلَى البَعِيرِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهِي فِي قَوْله: (كَانَ يُوتر على الْبَعِير) ، وَهُوَ بَين حكم التَّرْجَمَة لِأَنَّهَا كَانَت مُبْهمَة.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: إِسْمَاعِيل بن أبي إويس، وَاسم أبي أويس عبد الله وَهُوَ ابْن أُخْت مَالك بن أنس، وَقد مر غير مرّة. الثَّانِي: مَالك بن أنس. الثَّالِث: أَبُو بكر بن عمر، لَا يعرف اسْمه، وَقَالَ ابْن حبَان: ثِقَة، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَا بَأْس بِهِ لَا يُسمى. الرَّابِع: سعيد بن يسَار ضد الْيَمين أَبُو الْحباب، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْبَاء الأولى، من عُلَمَاء الْمَدِينَة، مَاتَ سنة سبع عشرَة وَمِائَة. الْخَامِس: عبد الله ابْن عمر بن الْخطاب.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي خَمْسَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم مدنيون. وَفِيه: أَن أَبَا بكر لَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ غير هَذَا الحَدِيث، وَكَذَلِكَ فِي (صَحِيح مُسلم) وَفِيه: أَن أَبَا بكر قيل فِيهِ إِنَّه ابْن عَبَّاس بن عبد الرَّحْمَن بِإِسْقَاط عمر بَينهمَا، وَالصَّحِيح إثْبَاته.
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن يحيى بن يحيى. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ جَمِيعًا فِيهِ عَن قُتَيْبَة، وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن أَحْمد بن سِنَان عَن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن مَالك.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (خشيت الصُّبْح) ، أَي: طلوعه. قَوْله: (أُسوة) بِكَسْر الْهمزَة وَضمّهَا، مَعْنَاهُ: الِاقْتِدَاء. قَوْله: (حَسَنَة) بِالرَّفْع صفة للأسوة. قَوْله: (بلَى وَالله) تَأْكِيد لِلْأَمْرِ الَّذِي أَرَادَهُ. قَوْله: (على الْبَعِير) الْبَعِير: الْجمل الْبَاذِل، وَقيل: الْجذع، وَقد تكون للْأُنْثَى. وَحكي عَن بعض الْعَرَب: شربت من لبن بَعِيري، وصرعتني بعير لي. وَفِي (الْجَامِع) : الْبَعِير بِمَنْزِلَة الْإِنْسَان يجمع الْمُذكر والمؤنث من النَّاس إِذا رَأَيْت جملا على الْبعد قلت: هَذَا بعير، فَإِذا استثبته قلت: جمل أَو نَاقَة. وَتجمع على أَبْعِرَة وأباعرة. وأباعير وبعران وبعران فَإِن قلت: التَّرْجَمَة بالدابة، وَفِي الحَدِيث لفظ: الْبَعِير قلت: ترْجم بهَا تَنْبِيها على أَن لَا فرق بَينهَا وَبَين الْبَعِير فِي الحكم، وَالْجَامِع بَينهمَا أَن الْفَرْض لَا يجزىء على وَاحِدَة مِنْهُمَا.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: احْتج بِهِ عَطاء وَابْن أبي رَبَاح وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَسَالم بن عبد الله وَنَافِع مولى ابْن عمر وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق: على أَن للْمُسَافِر أَن يُصَلِّي الْوتر على دَابَّته. وَقَالَ ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) : حَدثنَا يحيى بن سعيد عَن ابْن عجلَان عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَنه صلى على رَاحِلَته فأوتر عَلَيْهَا، وَقَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُوتر على رَاحِلَته، ويروى ذَلِك عَن عَليّ وَابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَكَانَ مَالك يَقُول: لَا يُصَلِّي على الرَّاحِلَة إِلَّا فِي سفر يقصر فِيهِ الصَّلَاة، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ: قصير السّفر وطويله فِي ذَلِك سَوَاء، يُصَلِّي على رَاحِلَته. وَقَالَ ابْن حزم فِي (الْمحلى) : ويوتر الْمَرْء قَائِما وَقَاعِدا لغير عذر إِن شَاءَ، وعَلى دَابَّته. وَقَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين: عَن عُرْوَة بن الزبير وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد: لَا يجوز الْوتر إلاّ على الأَرْض، كَمَا فِي الْفَرَائِض، ويروى ذَلِك عَن عمر بن الْخطاب وَابْنه عبد الله فِي رِوَايَة ذكرهَا ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) . وَقَالَ الثَّوْريّ: صل الْفَرْض وَالْوتر بِالْأَرْضِ، وَإِن أوترت على راحلتك فَلَا بَأْس، وَاحْتج أهل الْمقَالة الثَّانِيَة بِمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا يزِيد بن سِنَان، قَالَ: حَدثنَا أَبُو عَاصِم، قَالَ: حَدثنَا حَنْظَلَة بن أبي سُفْيَان عَن نَافِع (عَن ابْن عمر: أَنه كَانَ يُصَلِّي على رَاحِلَته ويوتر بِالْأَرْضِ، وَيَزْعُم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَذَلِك كَانَ يفعل) . وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح وَهُوَ خلاف حَدِيث الْبَاب، وروى الطَّحَاوِيّ أَيْضا عَن أبي بكرَة، بكار القَاضِي، عَن عُثْمَان بن عمر وَبكر بن بكار، كِلَاهُمَا عَن عمر بن ذَر (عَن مُجَاهِد: أَن ابْن عمر كَانَ يُصَلِّي فِي السّفر على بعيره أَيْنَمَا توجه بِهِ، فَإِذا كَانَ فِي السّفر نزل فأوتر) . رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) : حَدثنَا هشيم، قَالَ: حَدثنَا حُصَيْن (عَن مُجَاهِد، قَالَ: صَحِبت ابْن عمر من الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة فَكَانَ يُصَلِّي على دَابَّته حَيْثُ تَوَجَّهت بِهِ، فَإِذا كَانَت الْفَرِيضَة نزل فصلى) . وَأخرجه أَحْمد فِي (مُسْنده) من حَدِيث سعيد بن جُبَير (أَن ابْن عمر كَانَ يُصَلِّي على رَاحِلَته تَطَوّعا، فَإِذا أَرَادَ أَن يُوتر نزل فأوتر على الأَرْض) . وَحَدِيث حَنْظَلَة بن أبي سُفْيَان يدل على شَيْئَيْنِ: أَحدهمَا فعل ابْن عمر إِنَّه كَانَ يُوتر بِالْأَرْضِ، وَالْآخر أَنه روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يفعل كَذَلِك، وَحَدِيث الْبَاب كَذَلِك يدل على الشَّيْئَيْنِ الْمَذْكُورين فَلَا يتم الِاسْتِدْلَال للطائفتين بِهَذَيْنِ الْحَدِيثين غير أَن لأهل الْمقَالة الثَّانِيَة أَن يَقُولُوا: إِن ابْن عمر