قَالَت: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي من اللَّيْل عشر رَكْعَات ويوتر بِسَجْدَة وَيسْجد بسجدتي الْفجْر، فَذَلِك ثَلَاث عشرَة رَكْعَة) . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره، وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَهُوَ مَذْهَبنَا وَمذهب الْجُمْهُور. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَصح الإيتار بِوَاحِدَة وَلَا تكون الرَّكْعَة الْوَاحِدَة صَلَاة قطّ، وَالْأَحَادِيث الصَّحِيحَة ترد عَلَيْهِ قلت: مَعْنَاهُ يُوتر بِسَجْدَة أَي: بِرَكْعَة وَرَكْعَتَيْنِ قبله فَيصير وتره ثَلَاثًا ونفله ثمانيا، والركعتان للفجر، وَلأبي حنيفَة أَيْضا أَحَادِيث صَحِيحَة ترد عَلَيْهِ. مِنْهَا: مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي (سنَنه) بِإِسْنَادِهِ إِلَى عَائِشَة، قَالَت: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يسلم فِي رَكْعَتي الْوتر) ، وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ فِي (مُسْتَدْركه) بِإِسْنَادِهِ إِلَى عَائِشَة، قَالَت: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُوتر بِثَلَاث لَا يسلم إلاّ فِي آخِرهنَّ) . وَقَالَ: إِنَّه صَحِيح على شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم وَلم يخرجَاهُ. وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. ثمَّ الْبَيْهَقِيّ عَن يحيى بن زَكَرِيَّا عَن الْأَعْمَش عَن مَالك بن الْحَارِث عَن عبد الرَّحْمَن ابْن يزِيد النَّخعِيّ عَن عبد الله بن مَسْعُود، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (وتر اللَّيْل ثَلَاث كوتر النَّهَار صَلَاة الْمغرب) . فَإِن قلت: قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لم يروه عَن الْأَعْمَش مَرْفُوعا غير يحيى بن زَكَرِيَّا وَهُوَ ضَعِيف، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ الثَّوْريّ وَعبد الله بن نمير وَغَيرهمَا عَن الْأَعْمَش فوقفوه. قلت: لَا يضرنا كَونه مَوْقُوفا على مَا عرف، مَعَ أَن الدَّارَقُطْنِيّ أخرج عَن عَائِشَة أَيْضا نَحوه مَرْفُوعا. وَأخرج النَّسَائِيّ من حَدِيث ابْن عمر، قَالَ: حَدثنَا قُتَيْبَة عَن الفضيل بن عِيَاض عَن هِشَام بن حسان عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن ابْن عمر، قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (صَلَاة الْمغرب وتر صَلَاة النَّهَار فأوتروا صَلَاة اللَّيْل) . وَهَذَا السَّنَد على شَرط الشَّيْخَيْنِ. وروى الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا روح بن الْفرج حَدثنَا يحيى بن عبد الله بن بكير حَدثنَا بكر بن مُضر عَن جَعْفَر بن ربيعَة (عَن عقبَة بن مُسلم، قَالَ: سَأَلت عبد الله بن عمر عَن الْوتر، فَقَالَ: أتعرف وتر النَّهَار؟ فَقلت: نعم صَلَاة الْمغرب، قَالَ: صدقت وأحسنت) . وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: وَعَلِيهِ يحمل حَدِيث ابْن عمر (أَن رجلا سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن صَلَاة اللَّيْل) إِلَى آخر حَدِيث الْبَاب، قَالَ: مَعْنَاهُ: صل رَكْعَة فِي ثِنْتَيْنِ قبلهَا وتتفق بذلك الْأَخْبَار. حَدثنَا أَبُو بكرَة حَدثنَا أَبُو دَاوُد حَدثنَا أَبُو خَالِد: سَأَلت أَبَا الْعَالِيَة عَن الْوتر. فَقَالَ: علمنَا أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الْوتر مثل صَلَاة الْمغرب، هَذَا وتر اللَّيْل، وَهَذَا وتر النَّهَار. وروى الطَّحَاوِيّ عَن أنس قَالَ: الْوتر ثَلَاث رَكْعَات. وروى أَيْضا عَن الْمسور بن مخرمَة، قَالَ: دفنا أَبَا بكر لَيْلًا فَقَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: إِنِّي لم أوتر، فَقَامَ وصففنا وَرَاءه فصلى بِنَا ثَلَاث رَكْعَات لم يسلم إلاّ فِي آخِرهنَّ. وروى ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) : حَدثنَا حَفْص بن عمر عَن الْحسن، قَالَ: أجمع الْمُسلمُونَ على أَن الْوتر ثَلَاثَة لَا يسلم إلاّ فِي آخِرهنَّ. وَقَالَ الْكَرْخِي: أجمع الْمُسلمُونَ ... إِلَى آخِره، نَحوه، ثمَّ قَالَ: وأوتر سعد بن أبي وَقاص بِرَكْعَة فَأنْكر عَلَيْهِ ابْن مَسْعُود، وَقَالَ: مَا هَذِه البتيراء الَّتِي لَا نعرفها على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ وَعَن عبد الله بن قيس، قَالَ: (قلت لعَائِشَة: بكم كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُوتر؟ قَالَت: كَانَ يُوتر بِأَرْبَع وَثَلَاث، وست وَثَلَاث وثمان وَثَلَاث، وَعشر وَثَلَاث، وَلم يكن يُوتر بِأَقَلّ من سبع وَلَا بِأَكْثَرَ من عشرَة) . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، فقد نصت على الْوتر بِثَلَاثَة وَلم تذكر الْوتر بِوَاحِدَة، فَدلَّ على أَنه لَا اعْتِبَار للركعة البتيراء. وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَقَالَ أَصْحَابنَا: لم يقل أحد من الْعلمَاء: إِن الرَّكْعَة الْوَاحِدَة لَا يَصح الإيتار بهَا إلاّ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري وَمن تابعهما قلت: عجبا للنووي كَيفَ ينْقل هَذَا النَّقْل الْخَطَأ وَلَا يردهُ مَعَ علمه بخطئه، وَقد ذكرنَا عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمن بعدهمْ أَن الإيتار بِثَلَاث، وَلَا تجزى الرَّكْعَة الْوَاحِدَة. وروى الطَّحَاوِيّ: عَن عمر بن عبد الْعَزِيز أَنه أثبت الْوتر بِالْمَدِينَةِ بقول الْفُقَهَاء: ثَلَاث لَا يسلم إلاّ فِي آخِرهنَّ، واتفاق الْفُقَهَاء بِالْمَدِينَةِ على اشْتِرَاط الثَّلَاث بِتَسْلِيمَة وَاحِدَة يبين لَك خطأ نقل النَّاقِل اخْتِصَاص ذَلِك بِأبي حنيفَة وَالثَّوْري وأصحابهما. فَإِن قلت: مَا تَقول فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (فَإِذا خشيت الصُّبْح فأوتر بِرَكْعَة؟) قلت: مَعْنَاهُ مُتَّصِلَة بِمَا قبلهَا، وَلذَلِك قَالَ: (توتر لَك مَا قبلهَا) ، وَمن يقْتَصر على رَكْعَة وَاحِدَة كَيفَ توتر لَهُ مَا قبلهَا وَلَيْسَ قبلهَا شَيْء؟ فَإِن قلت: رُوِيَ أَنه قَالَ: (من شَاءَ أوتر بِرَكْعَة، وَمن شَاءَ أوتر بِثَلَاث أَو بِخمْس) قلت: هُوَ هُوَ مَحْمُول على أَنه كَانَ قبل استقرارها، لِأَن الصَّلَاة المستقرة لَا يُخَيّر فِي أعداد ركعاتها، وَكَذَا قَول عَائِشَة: (كَانَ يسلم بَين كل رَكْعَتَيْنِ ويوتر بِوَاحِدَة) ، يُعَارضهُ مَا روى ابْن مَاجَه عَن أم سَلمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: أَنه كَانَ يُوتر بِسبع أَو بِخمْس لَا يفصل بَينهُنَّ بِتَسْلِيم وَلَا كَلَام، فَيحمل على أَنه كَانَ قبل اسْتِقْرَار الْوتر، وَمِمَّا يدل على مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ حَدِيث النَّهْي عَن البتيراء: أَن يُصَلِّي الرجل وَاحِدَة يُوتر بهَا. أخرجه ابْن عبد الْبر فِي (التَّمْهِيد) عَن أبي سعيد: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن البتيراء، وَمِمَّنْ قَالَ: يُوتر بِثَلَاث لَا يفصل بَينهُنَّ: عمر وعَلى وَابْن مَسْعُود وَحُذَيْفَة وَأبي بن كَعْب وَابْن عَبَّاس وَأنس وَأَبُو أُمَامَة