والمحراب مفعال من ذلك. قيل: سمي بذلك لأن الإنسان يحارب فيه شيطانه وهواه. وقيل: لأنه من حق الإنسان فيه أن يكون حربياً من أشغال الدنيا ومن توزيع الخاطر فيه. وقيل: الأصل فيه أن محارب البيت صدر المجلس. ثم لما اتخذ المسجد سمي صدر البيت محراباً تشبيهاً بمحراب المسجد. قال الراغب: وكأن هذا أصح. قلت: المحراب لفظ قديم قبل حدوث المساجد؛ فإن المساجد وحاربيها عرف شرعي. وقال أبو عبيد: هو أشرف المساجد. قال الأصمعي: هو الغرفة والموضوع العالي، ويدل عليه: {إذ تسوروا المحراب} [ص:21] فتسوروا يدل على علوه.
وقوله: {وهو قائم يصلى في المحراب} [آل عمران:39] يدل على أنع كان لهم محاريب. وفي الحديث عن أنسٍ"أنه كان يكره المحاريب" أي يكره أن يرفع على الناس. وفيه:"أنه بعث عروة بن مسعود إلي قومه بالطائف، فدخل محراباً لهم فأشرف عليهم [عند الفجر]، ثم أذان للصلاة"، فهذا يدل على أنه غرفة يرتقى إليها.
وقوله تعالى: {من محاريب} [سبأ:13] قيل: هو القصور لارتفاعها. قال الأصمعي: العرب تسمي القصر محراباً لشرفه. وانشد للأعشى: [من السريع]
335 - أو دمية صور محرابها ... أو درة شيفت إلى تاجر
وعن ابن الأنباري: سمي بذلك لانفراد الإمام فيه وبعده من القوم، من قولهم. هو حرب لفلانٍ، إذا كان بينهما تباعد وبغضاء. وأنشد: [من المتقارب]
336 - وحارب مرفقها دفها ... وسامى به عنق مسعر
ودخل الأسد محرابه أي غليه، فسمي محراب المسجد بذلك؛ لأن الإمام لخوفه