وآثار الصنعة دالة على أن الطاعة هي طاعة الإرادة والمشيئة، وليست طاعة العبادة. قلت: مراده بذلك الجواب عن اعتراضٍ مقدر وهو أنا نجد كثيرًا من الخلق عاصين غير مطيعين. والخبر من الله صدق قطعًا، وقيل: القنوت لزوم الطاعة مع الخضوع. قال الراغب: وبكل واحدٍ منهما فسر قوله تعالى: {كل له قانتون} قيل: خاضعون، وقيل: طائعون، وقيل: ساكتون. ولم يعن به كل السكوت، وإنما عني به ما قال عليه السلام: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين إنما هو قرآن وتسبيح" وعلى هذا قيل: "أي الصلاة أفضل؟ فقال: طول القنوت" أي الاشتغال بالعبادة ورفض كل ما سواه. قال تعالى: {إن إبراهيم كان أمة قانتًا} [النحل: 120] قلت: ومنه القنوت المشروع في الصبح، والتراويح إنما هو الدعاء المعروف وما يقوم مقامه.
قوله: {يا مريم اقنتي لربك} [آل عمران: 43] أي أطيعيه أو اعبديه أو اخضعي له، وكلها معانٍ متقاربة، والمادة تدل على الإخبات والطاعة والاستكانة. قوله: {ومن يقنت منكن} [الأحزاب: 31] أي يطيع ويخضع.
قوله: {فالصالحات قانتات} [النساء: 34] أي قائمات بحقوق الأزاواج، قيل: مصليات. وفي الحديث: "كمثل الصائم القانت" أي المصلي. قوله: {أمن هو قانت} [الزمر: 9] ولذلك قال: {ساجدًا وقائمًا}. وقال ابن الأنباري: القنوت في اللغة ينقسم إلى أربعة أقسام: الصلاة, وطول القيام، وإقامة الطاعة، والسكوت. وفي الحديث: "أنه قنت شهرًا" أي يدعو على أحياءٍ من العرب.
ق ن ط:
قوله تعالى: {وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا} [الشورى: 28] أي