بالآخر أرشدتنا إليها الآيات القرآنية: أولها "التدافع"، ذُكر في الآية: "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض" (البقرة /251)، وهو قانون يعمل على أساس وجود تباين ما بين طرفين، أو عدة أطراف، لتحريض التنافس بينها واستفزاز طاقاتها الكامنة واستثمارها في تنشيط حركة العمران الإنساني. أما "التداول" المشار إليه في قوله تعالى: "وتلك الأيام نداولها بين الناس" (آل عمران /140)، فهذا القانون لاحق بالأول مترتب عليه، وهو في حقيقته النتائج المترتبة على عملية التنافس، وتغيُّر في المواقع والأدوار يستفيد من المدّ والجزر بين الإرادات المتعاكسة. و"الاستبدال" المنصوص في الآية: "وإن تتولوا يستبدل قومًا غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم" (محمد /38)، هو حالة من حالات التداول، وقانون إنذار يحمل قيمًا سلبية لكل متنكب في حلبة التدافع. إن الكلام على التدافع يقودنا مباشرة إلى الكلام على قضية الدور الحضاري وعلاقته بمفهوم الحضارة.