النضج حتى تعود للانزلاق إلى حمأة الكهولة، وكان ابن خلدون قد ضرب المثل لهذه الحركة بالأعمار الطبيعية للأشخاص (?)، وتمسك إشبنجلر بهذا الرأي وجعل حياة الحضارة نسخة مطابقة لحياة الكائن الحي، وهو تمثيل دقيق شرط أن تبقى المقارنة مضبوطة بالتأطيرات السابقة (?). ولكل محطة من هذه المحطات خصوصيتها وملامحها في سلبياتها وإيجابياتها، إذ يلاحظ أن مرحلة الطفولة تحتضن القيم الكلية والروح التي انطلقت الحضارة بدفع منها، ومع مرحلة الشباب تبدأ الحضارة بتحقيق ذاتها في عالم الواقع بقوة واندفاع بقيادة الروح الحضاري، مع الحفاظ على حالة التوازن معها، وحين تدخل الحضارة مرحلة النضج المدني تكون قد بلغت أوج قوتها في عالم الواقع مع تراجع القيم الكلية، وتراخي سلطة الروح الحضاري، ومع الحركة والزمن تزداد المفارقة حدة فتخسر الإنجازات المادية دفعها الداخلي الذاتي، وتبدأ الحضارة بالجمود والانهيار على جميع الصعد.
- الوجود لا يعرف الفراغ، وأي غياب عن الشهود الحضاري يعني السماح لروح حضاري آخر بملء الساحة الشاغرة، والأمم أبدًا في تدافع، والأيام بينها دُوَل، ومن يتخلف عن الركب فسوف يُستبدَل لا محالة. ثلاثة قوانين أساسية تحكم علاقة الذات الحضارية