بشري، على الرغم من أنه يتحقق بمسبِّب بشري، أما الفعل البشري والحضاري الحق فهو "الاختيار"، والاختيار فعل نفي وإثبات مفتوح المصادر يخضع لمؤثرات متنوعة؛ بيئية وذاتية وضرورية، قديمة وحديثة على السواء، وينتقي من مجمل المتراكم عبر الزمن والتاريخ. ومن إيجابيات التراكم أنه يقدم "للاختيار" مساحة أوسع من التجارب والخبرات، ولكن من طبائع النوع البشري المؤسفة أنه لا يتعظ بالتجارب السابقة ولا بخبرات الآخرين إلا بقدر ما يعتقد ويرغب، أما قيمة الخيار الناجم عن فعل الاختيار البشري فهي أمر نسبي خاضع لاعتبارات خاصة ومتغايرة تنفي إمكانية الحسم القبلي سلبًا أو إيجابًا. ومما يشهد بعدم تلازم قيمتي التطور والتراكم ما يقدمه التاريخ من نماذج متكررة لحضارات تسلم نفسها إلى الانطفاء بعد أن تبلغ قمة عطائها وتفوقها، وحضارات تتجاهل مقومات تحضّر سابقة وتهملها (?)، ولهذا فلا يصح اعتماد التراكم برهانًا على التطور أو الجزم بحركة الزمن التصاعدية، لأن كل حضارة هي كائن فريد لا يتكرر، على الرغم من أنه يستفيد بهذا القدر أو ذاك من مخزون التجارب السابقة، ولأن الفكرة تلد نقيضها في دورة غير منتهية (?).