1 - قال الإمام الغزالي (?) يرد هذه الشبهة محتكما إلى فهم معنى النسخ فقال: وهو عبارة عن الخطاب الدال على ارتفاع الحكم الثابت المشروط استمراره بعدم لحوق خطاب يرفعه، وليس من المحال أن يقول السيد لعبده:
«قم»، ولا يبين له مدة القيام، وهو يعلم أن القيام مقتضى منه إلى وقت بقاء مصلحته في القيام، ويعلم مدة مصلحته ولكن لا ينبه عليها، ويفهم العبد أنه مأمور بالقيام مطلقا وأن الواجب الاستمرار عليه أبدا إلا أن يخاطبه السيد بالقعود، فإذا خاطبه بالقعود قعد ولم يتوهم بالسيد أنه بدا له أو ظهرت له مصلحة كان لا يعرفها والآن قد عرفها، بل يجوز أن يكون قد عرف مدة مصلحة القيام وعرف أن الصلاح في أن لا ينبه العبد عليها ويطلق الأمر له إطلاقا حتى يستمر على الامتثال، ثم إذا تغيرت مصلحته أمره بالقعود.
2 - إن القرآن الكريم رد على خرافة هؤلاء في شأن النسخ في قوله تعالى في سورة البقرة: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
فبين أن مسألة النسخ ناشئة عن مداواة وعلاج مشاكل الناس، لدفع المفاسد عنهم وجلب المصالح لهم، لذلك قال: نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها، ثم عقّب فقال: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ.
3 - الاستدلال بوقوع النسخ بين شرائع الأنبياء من لدن آدم إلى موسى عليه السلام، واليهود يعترفون بذلك وبنبوة هؤلاء الأنبياء الذين نسخت شرائعهم أحكاما من شرائع أنبياء قبلهم، فلماذا يجحدون بنبوة عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام متذرعين بزعم استحالة النسخ ...
وقد ذكر العلماء من النسخ الذي وقع في الشرائع السابقة أمثلة: منها أنه أحلّ لآدم تزويج بناته من بنيه من بطن آخر ثم حرم ذلك. وأباح الله تعالى لنوح بعد خروجه من السفينة أكل جميع الحيوانات ثم نسخ حل بعضها. وكان نكاح الأختين مباحا لإسرائيل وبنيه، وقد حرم ذلك في شريعة التوراة وما بعدها،