شريعة الإسلام أكمل الشرائع وخاتمة الشرائع جميعا، فكان من حكمته سبحانه أن نسخ بها الشرائع والأديان السابقة كلها.
وتفصيل هذا وشرحه: «أن النوع الإنساني تقلب كما يتقلب الطفل في أدوار مختلفة، ولكل دور من هذه الأدوار حال تناسبه غير الحال التي تناسب دورا غيره، فالبشر أول عهدهم بالوجود كانوا كالوليد أول عهده بالوجود سذاجة وبساطة، وضعفا وجهالة، ثم أخذوا يتحولون من هذا العهد رويدا رويدا، ومروا في هذا التحول أو مرت عليهم أعراض متباينة، من ضآلة العقل، وعماية الجهل، وطيش الشباب، وغشم القوة على تفاوت في هذا بينهم، اقتضى وجود شرائع مختلفة لهم تبعا لهذا التفاوت.
حتى إذا بلغ العالم أوان نضجه واستوائه وربطت مدنيته بين أقطاره وشعوبه جاء هذا الدين الحنيف ختاما للأديان، ومتمما للشرائع، وجامعا لعناصر الحيوية ومصالح الإنسانية ومرونة القواعد، جمعا وفّق بين مطالب الروح والجسد، وآخى بين العلم والدين، ونظم علاقة الإنسان بالله وبالعالم كله من أفراد وأسر وجماعات وأمم وشعوب وحيوان ونبات وجماد مما جعله بحق دينا عاما خالدا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها» (?).
لذلك لم يقع خلاف بين الأمم حول النسخ ولا أنكرته ملة من الملل قط، إنما خالف في ذلك اليهود، فأنكروا جواز النسخ عقلا، وبناء على ذلك جحدوا النبوات بعد موسى عليه السلام، وتذرعوا بذلك الزعم لإنكارهم نبوة عيسى ونبوة سيدنا محمد عليهما الصلاة والسلام.
وأثاروا الشبهة فزعموا أن النسخ محال على الله تعالى، لأنه يدل على البداء، أي ظهور رأي بعد أن لم يكن، وكذا استصواب شيء علم بعد أن لم يعلم، والبداء مستحيل في حق الله تعالى، لأنه واجب له تعالى لذاته وصف العلم المحيط بكل شيء من الأزل إلى الأبد.
والجواب عن هذا من وجوه: