الحجاز والشام محمد بن مسلم بن شهاب الزُهري المدني (- 124 هـ) الذي دَوَّنَ له في ذلك كتابًا (?)، فغدا عمر يبعث إلى كل أرض دَفْتَرًا من دفاتره (?). وَحُقَّ لِلْزُّهْرِيِّ أنْ يفخر بعمله قائلاً: «لَمْ يُدوِّنْ هَذَا العِلْمَ أَحَدٌ قَبْلَ تَدْوِينِي» (?).
وَقَدْ يُخَيَّلُ للباحث عندما يبلغ هذه المرحلة من الدراسة أَنَّ فكرة كره التدوين قد اختفت إلى الأبد، وأنها في هذا العصر بدأت تُنْسَى، ثم لا يلبث أَنْ يسمع بنغمتها الرتيبة تتعالى حتى على لسان الذين رَخَّصُوا في التدوين أو حَضُّوا عليه أو أسهموا فيه. بل لَيَسْمَعَنَّ البَاحِثُ معها نغمة جديدة من الندم والحسرة عند الذين شاركوا في التدوين خاصة، فكأنهم لم ينهضوا بالأمر من تلقاء أنفسهم، بل بتحريض الأمراء وائتمارًا بأمرهم.
قال الزُهري: «كُنَّا نَكْرَهُ كِتَابَ العِلْمِ، حَتَّى أَكْرَهَنَا عَلَيْهِ هَؤُلاَءِ الأُمَرَاءُ فَرَأَيْنَا أَلاَّ نَمْنَعَهُ أَحَدًا مِنَ المُسْلِمِينَ» (?). وهو في الواقع ما منع أحدًا من المسلمين كتابة شيء، ولا منع نفسه حين كان يغلو في الكتابة حتى ليكتب الحديث في ظهر نعله مخافة أن يفوته (?)، غير أَنَّ عَامِلاً آخر ربما شارك إكراه الأمراء في