على ذلك إلاَّ بعد أنْ استشارهم أو اطمأنَّ - على الأقل - إلى تأييد كثرتهم (?)، وإنْ كانت الأخبار المتضافرة توحي بتفرده في هذه الفكرة لما له في القلوب من منزلة، ولا سيما بين معاصريه الواثقين بِتُقَاهُ وَوَرِعِهِ.
ويتضح من جملة الأخبار المروية في هذا الشأن أنَّ خوف عمر من دُرُوسَ العِلْمِ وذهاب أهله هو الذي حمله على الأمر بالتدوين، فَإِنَّهُ كَتَبَ إِلَى عَامِلِهِ عَلَى المَدِينَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ يَأْمُرُهُ: «انْظُرْ مَا كَانَ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ سُنَّةٍ مَاضِيَةٍ أَوْ حَدِيثِ عَمْرَةَ [بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ] فَاكْتُبْهُ فَإِنِّي قَدْ خِفْتُ دُرُوسَ العِلْمِ وَذَهَابَ أَهْلِهِ» (?). وعَمْرَة المذكورة هنا هي عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية، وقد ضُمَّ إليها بعض الروايات اسم القاسم بن محمد بن أبي بكر الصدِّيق (- 107) وكلاهما من تلاميذ عائشة، فكانا أعلم الناس بأحاديثها عن رسول الله. ولقد قام أبو بكر بن حزم بما عهد إليه عمر، ولكن هذا الخليفة العظيم لحق بربه قبل أنْ يطلعه عامله على نتائج سعيه (?).
على أَنَّ عمر كان قد كتب إلى أهل الآفاق وإلى عُمَّالِهِ في الأمصار بمثل ما كتب إلى ابن حزم (?)، وكان أول من استجاب له في حياته وَحَقَّقَ له غايته عالم