الفَصْلُ السَّابِعُ: الحَدِيثُ بَيْنَ الشَّكْلِ وَالمَضْمُونِ:

إن نظرة عجلى يلقيها الباحث المنصف على فهرس الموضوعات التفصيلي لهذا الكتاب لتقنعه بأن المكان الذي ينبغي أَنْ يَتَبَوَّأَهُ مصطلح الحديث في تاريخ العلوم يعلو كل مكان سمت إليه فلسفة المصطلحات في مختلف العصور.

فإذا انتقل الباحث من نظرة عجلى في الفهرس إلى نظرة عميقة في بعض ما يستهويه من موضوعات الكتاب، آنس في الجانب التاريخي منه والجوانب التحليلية لمصطلحاته مادة غنية من النقد العلمي الدقيق الذي بناه المحدثون على تمحيص الحقائق لا على تنميق الظواهر: فالمضمون هو الذى يعني هؤلاء النَّقَدَةِ المَهَرَةِ، أما الشكل فلا قيمة له عندهم إلا بمقدار ما يعين على تحقيق ذلك المضمون.

وفي مواطن مختلفة، وعصور متباينة، احتدمت خصومات ثقال طوال حول الشكل والمضمون، أو اللفظ والمحتوى، أو المعنى والمبنى ... خصومات تناولت الشعر والأدب، وانزلقت إلى العلم والفلسفة، وما فتئ خطرها يمتد إلى كل فن وإلى كل حقيقة في هذا الكون حتى اقتحم عالم الدين، وتعدى حدود الغيب، ففرق في كل دين بين حقائقه المُسَلَّمَةِ، وأصوله المؤصلة، وقواعده

طور بواسطة نورين ميديا © 2015