وَالمَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ كانت - كما سنرى - أحرص البلاد على السُنَّةِ النَّبَوِيَّةِ حتى سميت «دَارَ السُنَّةِ» (?). وفي جنباتها المشرفة بدأ مفهوم «السُنَّةِ» يأخذ شَكْلاً سِيَاسِيًّا وَاجْتِمَاعِيًّا إلى جانب الشكل الديني الأساسي: فالرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَرِّحُ بأنَّ «مَنْ أَحْدَثَ فِي المَدِينَةِ حَدَثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» (?). وَكَأَنَّ في هذا الحديث إيماء إلى براءة الله ورسوله من كل مُنْشَقٍّ على الجماعة، خالع يد الطاعة، مُؤْثِرٌ البِدْعَةَ عَلَى السُنَّةِ. فلينصح الأب ابنه: «يَا بُنَيَّ إِيَّاكَ وَالحَدَثَ»، وليستجب الابن لأبيه مُكْبِراً تَقيُّدَهُ بِالسُنَّةِ المُطَهَّرَةِ: «وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَبْغَضَ إِلَيْهِ الحَدَثُ فِي الإِسْلاَمِ» (?)، وليقل المتهم في دينه مُدَافِعًا عن نفسه: «مَا أَحْدَثْتُ فِي الإِسْلاَمِ حَدَثاً وَلاَ أَخْرَجْتُ مِنْ طَاعَةٍ يَدًا» (?).

ما أسرع ما انتقل المسلمون إذن من المعنى الإقليمي الضيق إلى المعنى الشامل الواسع! إنهم لا يخشون إحداث الحَدَثِ في المدينة وحدها «دَارَ السُنَّةِ»، بل يخشون الحدث في الإسلام كله، في كل بلد بلغته الدعوة المباركة، فالمبدأ عام شامل، وقد وضعه الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنفسه مُذْ قال: «شَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا» (?) وقال: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015