أثر الرسول على يده؛ لم يضره ذلك، بل يحمد عليه، لأنه داع إلى الله يحب أن يطاع، ويُعبد، ويُوحَّد، فهو يحب ما يكون عونًا على ذلك موصِّلًا إليه، ولهذا ذكر سبحانه عباده الذين اختصهم لنفسه، وأثنى عليهم في تنزيله، وأحسن جزاءهم يوم لقائه، فذكرهم بأحسن أعمالهم، وأوصافهم، ثم قال: {والذين يقولون ربَّنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرةَ أعين واجعلنا للمتقين إمامًا}، فسألوه أن يقر أعينهم بطاعة أزواجهم وذرياتهم له سبحانه، وأن يسر قلوبهم باتباع المتقين لهم على طاعته وعبوديته، فإن الإمام والمؤتم متعاونان على الطاعة، فإنما سألوه ما يعينون به المتقين على مرضاته وطاعته، وهو دعوتهم إلى الله بالإمامة في الدين التي أساسها الصبر واليقين، كما قال تعالى: {وجعلناهم أئمةً يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون}، وسؤالهم أن يجعلهم أئمة للمتقين هو سؤال أن يهديهم، ويوفقهم، ويمنَّ عليهم بالعلوم النافعة والأعمال الصالحة ظاهرًا وباطنًا التي لا تتم الإمامة إلا بها، وتأمل كيف نسبهم في هذه الآيات إلى اسمه الرحمن جلَّ جلاله، ليعلم خلقه أن هذا إنما نالوه بفضل رحمته ومحض جوده ومنته، وتأمل كيف جعل جزاءهم في هذه السورة الغرف، وهي المنازل العالية في الجنة لما كانت الإمامة في الدين من الرتب العالية، بل من أعلى مرتبة يعطاها العبد في الدين، كان جزاؤه عليها الغرفة العالية في الجنة.
وهذا بخلاف طلب الرياسة، فإن طلابها يسعون في تحصيلها لينالوا بها أغراضهم من العلو في الأرض، وتعبد القلوب لهم، وميلها إليهم، ومساعدتهم لهم على جيع أغراضهم، مع كونهم عالين عليهم قاهرين