علم اللغه (صفحة 261)

لدرجة يتكاثف فيها ساكنوه، وتضيق مساحته بهم ذرعًا، فيشتد ضغطه على حدود الشعب المجاور له، وتكثر تبعًا لذلك عوامل الاحتكاك والتنازع بين اللغتين, وفي هذه الحالة تتغلب لغة الشعب الكثيف السكان على لغة المناطق المجاورة له، على شريطة ألّا يقل عن أهلها في حضارته وثقافته وآداب لغته، ويتأكد انتصاره إذا كان أرقى من أهلها في هذه الأمور.

والأمثلة على ذلك كثيرة في التاريخ, وأكثرها دلالةً بهذا الصدد ما كان من أمر اللغة الألمانية, فقد طغت على مساحة واسعة من المناطق المجاورة لألمانيا بأوربا الوسطى "بسويسرا وتشيكوسلوفاكيا وبولونيا والنمسا..إلخ" وقضت على لهجاتها الأولى1.

الحالة الثانية: إذا تغلغل نفوذ أحد الشعبين في الشعب المجاور, وفي هذه الحالة تتغلب لغة الشعب القوي النفوذ, على شريطة ألّا يقل عن الآخر في حضارته وثقافته وآداب لغته، ويتأكد انتصاره إذا كان أرقى منه في هذه الأمور.

والأمثلة على ذلك كثيرة في مختلف مراحل التاريخ؛ فلغة شعوب الباسك قد أخذت تنهزم أمام اللغة الفرنسية في المناطق التي تغلغل فيها نفوذ الفرنسيين, وأمام اللغة الأسبانية في المناطق التي تغلغل فيها نفوذ الأسبانيين، حتى كادت تنقرض في كلتيهما كما سبقت الإشارة إلى ذلك2. واللهجات السلتية3 التي كان يتكلم بها معظم السكان يإيرلندا وويلز وأسكتلندا, قد أخذت تنهزم أمام اللغة الإنجليزية منذ أن تغلغل نفوذ إنجلترا في هذه البلاد, حتى زالت من لغة الأدب والكتابة، وكادت تنقرض انقراضًا تامًّا من لغة الحديث.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015