وذلك لأن القائلين بهذه النظرية لم يقدموا على صحتها دليلًا يعتد به, فليس من بين وجوه الشبه التي كشفوا عنها بين هاتين الفصيلتين ما ينهض دليلًا قاطعًا على صحة نظريتهم، بل إن كثيرًا منها لينم على ضعفها وبطلانها, فمن ذلك مثلًا ما اعتمد عليه بهذا الصدد الألمانيان فورست وديليتزش؛ فقد ذهبا إلى أن أصول الكلمات السامية كانت قديمًا مؤلفة من حرفين اثنين, ثم زيد فيما بعد على كل أصل منها حرف ثالث1. وعلى أساس هذا المذهب -الذي لا يؤيده أيّ دليل قاطع, بل قامت أدلة قوية على بطلانه- تحايلًا على التقريب بين الأصول السامية والأصول الهندية الأوروبية؛ فاختارا لكل أصل سامي كلمة هندية - أوروبية تقرب منه في أصواتها ودلالتها، وقررا تفرعهما من أصل واحد, ولإثبات ذلك يختاران حرفين تشترك فيهما الكلمتان، ويقرران أن الأصل السامي كان يتألف قديمًا من هذين الحرفين وحدهما, ثم زيد عليهما فيما بعد حرف ثالث، وأن هذا الأصل الثنائي نفسه هو الذي جاءت منه الكلمة الهندية - الأوروبية. ولا يخفى ما في هذه الطريقة الاستدلالية من تحكم وتخمين ومجافاة للروح العلمي ومناهج البحث الصحيح2, ومن ذلك أيضًا ما ذهب إليه ديليتزش بصدد التشابه بين طائفة من مفردات اللغة العبرية من جهة, وطائفة من مفردات اللغتين الإغريقية واللاتينية من جهة أخرى؛ فقد اتخذ من هذا التشابه دليلًا على صحة النظرية التي نحن بصدد مناقشتها، غافلًا عن أن العبرية الحديثة قد اقتبست كثيرًا من مفردات الإغريقية واللاتينية, ومن الغريب أن الكلمات