علم اللغه (صفحة 149)

ولا يقتصر على تقليد الكلمات والجمل التي يريده المحيطون به على محاكاتها، بل يحاكي كذلك من تلقاء نفسه كثيرًا من الكلمات التي ترد في محادثات الكبار على مسمع منه, حتى الكلمات الدقيقة منها؛ فقد كنت أتحدث مرة مع أسرة فرنسية في موضوع علمي على مسمع من طفلة صغيرة لهذه الأسرة, ما كانت تتجاوز إذ ذاك الخامسة من عمرها، فلاحظنا بعد حديثنا هذا أن الطفلة تستخدم في عباراتها بعض كلمات من المصطلحات العلمية التي كنا نستخدمها, والتي يندر استخدامها في الحديث العادي.

ويحرص الطفل كل الحرص على ما يحصل عليه من مفردات وعبارات، وكثيرًا ما يبلغ به هذا الحرص أن يكرر هذه المفردات والعبارات في خلوته, ويؤلف من شتاتها أغاني وجملًا عارية عن الدلالة, ولكنها كبيرة الأثر في تثبيتها في ذهنه.

ولا تظهر مهارة الطفل التقليدية في هذا الدور في محاكاة الكلمات والجمل فحسب، بل تظهر كذلك في محاكاة الأساليب الصوتية التي يلقي بها الكبار الجمل الإخبارية والاستفهامية والطلبية والتعجيبية والزجرية ... وهلم جرا، وفي محاكاة الحركات الجسمية واليدوية التي تصحب حديثهم.

ولمهارة الطفل في التقليد اللغوي في أثناء هذه المرحلة ولشدة ميله إليه، يستطيع أن يتعلم بسرعة وسهولة عن طريق المحاكاة أية لغة أجنبية إذا أتيحت له فرصة الاختلاط بالمتكلمين بها، بل يستطيع أن يتعلم بهذه الوسيلة أكثر من لغة أجنبية واحدة, فالأطفال المصريون مثلًا الذي يبعثه بهم آباهم إلى المدارس الأجنبية في هذه الدور يأخذون عن طريق المحاكاة عن معلميهم ومعلماتهم اللغة التي يتكلمون بها، ولا يلبثون بعد أمد قصير أن يجيدوا هذه اللغة لدرجة لا يستطيع معها أكبر خبير في اللغات أن يميزهم من أهلها, والطفل إذا ولد من أبوين مختلفي اللغات أخذ عن كل منهما لغته, فيصبح ثنائي اللغة رضي الله عنهilingue, وإذا أتيح للطفل بصفة دائمة في هذا الدور سماع أكثر من لغتين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015