هذا فيما يتعلق بالحاكم بصفة الحاكم في مجال الحكم والقضاء، ولكن الأمر يختلف فيما يتعلق بحقوقه الخاصة في مجال التعامل الاجتماعي فالتجاوز عن حقه هنا يعتبر فضيلة بل أكبر من فضيلة تسامح أي إنسان؛ لأنه بالرغم من سلطته ونفوذه يتخلى عن حقوقه ويتسامح فيها، فالعفو عند المقدرة أكثر فضيلة منه عند العجز. والفرق بين المجالين أن الحقوق في المجال الأول حقوق الناس وهو مكلف برد الحقوق إلى أصحابها وليس له حق في التجاوز عنها بالمحاباة لقرابة أو شفاعة أو لمركز، ولهذا فلم يقبل الرسول -صلى الله عليه وسلم- شفاعة أسامة بن زيد في إقامة الحد على المرأة المخزومية التي سرقت قائلا: "أيها الناس إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" 1.
وأما الحقوق في المجال الثاني فمن حقه التصرف فيها كما يشاء بالاسترداد أو بالعفو.
وهكذا نجد أن أخلاقية العدالة تختلف من الحاكم إلى غيره من حيث الفضيلة ومن حيث المسئولية أيضا.
2- ومن أخلاقيات الحاكم المسلم أيضا عدم قبوله الهدية ممن يشمل عليه حكمه وسلطانه؛ لأن قبول الهدية يكون موضع سوء الظن من الناس لمحاباة الحاكم للمهدي، ولأن الإهداء إلى الحاكم يكون غالبا مصحوبا بالغرضية ويفيد الرشوة ثم إن الحاكم الذي يقبل الهدية يتأثر غالبا بالميل إلى الذي أهداه في القضايا والخصومات، ولهذا منع الرسول -صلى الله عليه وسلم- قبول ولاته وعماله الهدايا عندما حدث أن