ويرجع المعيار في هذا الاتجاه إلى قوة داخلية فطرية في الإنسان بها يميز بين السلوك الأخلاقي وغير الأخلاقي، وتأخذ تلك القوة المميزة أسماء مختلفة عند أهلها وإن اتفقوا في مضمونها، فمنهم من يقول: إنها الحدس, فهو قوة فطرية يميز بها الإنسان بين الخير والشر، ومنهم من يقول: إنها الضمير، فالضمير مرآة عمل الإنسان ينعكس عليها خيره وشره، وعمل الضمير لا يقتصر على الإنباء بأخلاقية العمل أو عدم أخلاقيته عند الإقدام عليه أو البعد عنه فحسب، بل إنه يجازي الإنسان على فعله في كلتا الحالتين بالسرور في الحالة الأولى والتأنيب في الحالة الثانية1.
ومنها المذهب العقلي ويرى أن العقل هو القدرة الإداركية الوحيدة التي تميز بين الخير والشر في السلوك، وتمتد جذور هذا المذهب إلى فلاسفة الإغريق الأخلاقيين أمثال "سقراط" و"أفلاطون", ونجده أيضا لدى المعتزلة من المتكلمين المسلمين، ويمثله بصورة أكمل في أوائل القرن التاسع عشر الفيلسوف الألماني "كانط", وقد جمع في مذهبه بين الإرادة الخيرة بذاتها والعقل, فيقول مثلا: "لا يوجد شيء يمكن عده خيرا على وجه الإطلاق دون قيد إلا شيئا واحدا وهو الإرادة الخيرة"2, من ناحية العقل فإنه غير قادر على قيادة الإرادة قيادة رشيدة دائما, ووظيفة العقل هي أن يؤثر على الإرادة عن طريق بعث إرادة خيرة في ذاتها، ومن أجل هذا كان وجود العقل ضرورة وإذا بلغ العقل هدفه أحس