والآن بعد عرض تلك الحقائق في الطبيعة الإنسانية يبدو لي وجود فروق واضحة بين هذه الحقائق, وتبدو تلك الفروق جلية في أن ما يدركه الإنسان بقلبه لا يدركه بعقله، وما يدركه بعقله قد لا يدركه بقلبه, إذن هناك خصوصية لإدراك كل من العقل والقلب؛ ولهذا قال تعالى: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} 1، إذن رؤية القلب غير إدراك العقل, ودليل هذا الفرق تجريبي وليس دليلاً منطقيا، فالإنسان أحياناً قد يشعر بحقيقة في نفسه ولا يجد لها دليلاً منطقياً وبالعكس قد يجد دليلاً منطقياً على فكرة ولا يقتنع به قلباً2, ثم إن التفريق ضروري للتمييز بين النفس الحيوانية التي يشترك فيها الإنسان باعتبارها قوام الحياة وبين الروح الإنسانية التي هي نفخة من روح الله, والتي بها يمتاز الإنسان عن سائر الحيوان3.

ويؤيد وجهة نظرنا هنا ما يقول الدكتور "محمد كمال جعفر" تعبيراً عن رأي المتصوفة، فالصوفية يصرون على وجود تمييز حاسم بين النفس والروح، ولا يقف الصوفية عند حد التصنيف بين النفس والروح, بل يتعدون ذلك إلى آرائهم في القلب الإنساني الذي لا يعنون به هذه المضغة الصنوبرية, بل يعنون به مركز النشاط العاطفي والروحي والفكري بمعنى خاص4.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015