الثاني لم تكن واضحة تمام الوضوح؛ لأن تركيزنا كان منصبا على الجانب الأول، والآن نعالج هذا الجانب الأخير، وإذا نظرنا إلى المبادئ الأخلاقية وجدنا هناك مبادئ شديدة الصلة بهذا الجانب الأخير، ولنأخذ مثلا العنصر الأول في تقدم الحضارة وهو العلم, فنجد الإسلام يهتم بالعلم ويدعو الناس إلى الجد في طلبه, ويرفع شأن العلماء ويحثهم على نشر العلم {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} 1, وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل أتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها" 2, وبيَّن أن الأثر العلمي الذي يتركه الإنسان في حياته سوف ينال ثواب جهوده بعد مماته ما بقي هذا الأثر فقال: "إذا مات ابن ادم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له" 3, كما بيَّن أن الإنسان الذي يعمل بعلمه وهديه سينال أجرا مثل أجر العامل, قال: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه, لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا" 4, وقد وردت نصوص كثيرة في الإسلام تأمر الآباء بتعليم أبنائهم وبناتهم حتى تعليم خادمهم وتحسين أدبهم؛ وذلك لينتشر العلم والفضيلة في المجتمع الإسلامي, فالعلم وسيلة لتحقيق الخير وإزالة الشر وذلك وظيفة الأخلاق.
ولهذا شجع الإسلام طلاب العلم, فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم: "إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاء بما صنع" 5, ودعا إلى البحث عن العلم والاغتراب من أجله, قال تعالى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي