الجور"1, ولهذا أمر الله بالعدالة فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} 2.
ولقد بين ابن خلدون كيف أن ضياع العدالة وانتشار الجور والظلم يؤديان إلى فساد الحياة وخراب العمران, فيقول: "اعلم أن العدوان على الناس في أموالهم ذاهب بآمالهم في تحصيلها واكتسابها, لما يرون حينئذ من أن غايتها ومصيرها انتهابها من أيديهم, وعلى قدر الاعتداء ونسبته يكون انقباض الرعايا عن السعي في الاكتساب.. والعمران ووفوره ونفاق أسواقه إنما هو بالأعمال فإذا قعد الناس عن المعاش كسدت أسواق العمران وانقضت الأحوال وذعر الناس في الآفاق.. في طلب الرزق فخف ساكن القطر وخلت دياره وخربت أمصاره واختل باختلاله حال الدولة، ومن أشد الظلمات وأعظمها في إفساد العمران تكليف الأِعمال وتسخير الرعايا بغير حق, وذلك أن الأعمال من قبيل المتمولات, وأعظم من ذلك في الظلم وإفساد العمران وفساد الدولة، التسلط على أموال الناس بشراء ما بين أيديهم بأبخس الأثمان ثم فرض البضائع عليها بأبخس الأثمان على وجه الغصب والإكراه في الشراء والبيع"3.
ويمكننا أن نستخلص مما سبق أن الأخلاق تؤدي إلى أمرين هامين في الحياة، أولهما: دوام الحياة، دوام الحياة الاجتماعية وتماسكها، وثانيهما: تقدم الحضارة من الناحية العلمية والعمرانية, غير أن معالجتها لهذا الجانب