الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله
والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله الذين بعثه الله بشريعة محكمة حنيفية سمحة، أساسها اليسر بالناس ورفع الحرج عنهم، وغايتها تحقيق مصالحهم والعدل بينهم، وعلى آله وصحبه الذين خلفوه في حراسة شريعته، وهداية أمته، وكانوا تماما لنوره، ودعاة إلى هداه.
أما بعد.. فإن المجتهدين من أئمة المسلمين بذلوا أقصى جهودهم العقلية في استمداد الأحكام الشرعية من مصادرها، واستخرجوا من النصوص الشرعية وروحها ومعقولها كنوزاً تشريعية ثمينة، كفلت مصالح المسلمين على اختلاف أجناسهم وأقطارهم ونظمهم ومعاملاتهم، ولم تضق بحاجة من حاجاتهم، بل كان فيها تشريع لأقضيه لم تحدث، ووقائع فرضية، وهذه موسوعات الفقه آيات تنطق بما بذلوه من جهد وما كان حليفهم من توفيق.
ولم يكتفوا بما استمدوه من أحكام، وما سنوه من قوانين، بل عنوا بوضع قواعد للاستمداد، وقوانين للاستنباط، وكونوا من مجموعة هذه القواعد علم أصول الفقه، وكأنهم رحمهم الله بصنيعهم هذا أشاروا إلى خلفهم إلى أن لا يركنوا إلى اجتهادهم، وأن يجتهدوا كما اجتهدوا، ويبنوا كما بنوا، فإن الأقضية تحدث والمصالح تتغير، ومصادر الشريعة معين لا ينضب، ومنهل عذب لك وارد، وفضل الله يؤتيه من يشاء.
وهذا كتابي في علم أصول الفقه قصدت به إحياء هذا العلم، وإلقاء الضوء على بحوثه، وراعيت في عبارته الإيجاز والإيضاح، وفي بحوثه وموضوعاته