بالمعاوضة والشأن في تراضيهما بها أن يكون عن حاجاتهما إليها، فحكمة نقل الملكية في البديلين البيع أو الإجارة سد الحاجة، وعلته صيغة عقد البيع والإجارة.

وعلى هذا فجميع الأحكام الشرعية تبني على عللها، أي ترتبط بها وجودا وعدما، لا على حكمها، ومعنى هذا أن الحكم الشرعي يوجد حيث توجد علته ولو تخلفت حكمته، وينتفي حيث تنتفي علته ولو وجدت حكمته، لأن الحكمة لخفائها في بعض الأحكام، ولعدم انضباطها في بعضها لا يمكن أن تكون أمارة على وجود الحكم أو عدمه، ولا يستقيم ميزان التكليف والتعامل إذا ربطت الأحكام بها.

فالشارع الحكيم لما اعتبر لكل حكم علة هي أمر ظاهر منضبط، يظن تحقق الحكمة بربط الحكم به جعل مناط الأحكام عللها، ليستقيم التكليف وتنسق أحكام المعاملات ويعرف ما يترتب على الأسباب من مسببات. وتخلف الحكمة في بعض الجزئيات لا أثر له بإزاء استقامة التكاليف واطراد الأحكام، لهذا قرر الأصوليون أن الأحكام الشرعية تدور وجودا وعدما مع عللها لا مع حكمها.

وبعبارة أخرى مناط الحكم الشرعي مظنته لا مئنته، فمن كان في رمضان على سفر يباح له الفطر لوجود علة إباحته وهي السف، وإن كان في سفرة لا يجد مشقة. ومن كان شريكا في العقار المبيع أو جارا له يستحق أخذه بالشفعة، لوجود علة استحقاقها وهي الشركة أو الجوار، وإن كان المشتري لا يخشى منه أي ضرر، ومن لم يكن شريكا في العقار المبيع ولا جارا له لا يستحق أخذه بالشفعة وإن كان لأي سبب من الأسباب يناله من شراء المشتري ضرر. ومن كان في رمضان غير مريض ولا مسافر لا يباح له الفطر وإن كان عاملا في محجر أو منجم ويجد من الصوم أقسى مشقة. ومن حصل على النهاية الصغرى في الامتحان نجح وإن لم يلم بالعلوم، ومن لم يحصل عليها لا ينجح وإن كان ملما بالعلوم.

وما دام الحكم الشرعي يبني على علته لا على حكمته فعلى المجتهد حين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015