فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} [النساء: 65] ، وقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [الحشر: 7] ، فهذه الآيات تدل باجتماعها وتساندها دلالة قاطعة على أن الله يوجب اتباع الرسول فيما شرعه.
وثانيهما: إجماع الصحابة رضوان الله عليهم في حياته صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته على وجوب اتباع سنته. فكانوا في حياته يمضون أحكامه ويمتثلون لأوامره ونواهيه وتحليله وتحريمه، ولا يفرقون في وجوب الاتباع بين حكم أوحى إليه في القرآن وحكم صدر عن الرسول نفسه. ولهذا قال معاذ بن جبل: " إن لم أجد في كتاب الله حكم ما أقضى به قضيت بسنة رسول الله ". وكانوا بعد وفاته إذا لم يجدوا في كتاب الله حكم ما نزل بهم رجعوا إلى سنة رسول الله. فأبو بكر كان إذا لم يحفظ في الواقعة سُنّة خرج فسأل المسلمين: هل فيكم من يحفظ في هذا الأمر سُنّة عن نبينا؟ .. كذلك كان يفعل عمر وغيره ممن تصدى للفتيا والقضاء من الصحابة، ومن سلك سبيلهم من تابعيهم وتابعي تابعيهم بحيث لم يعلم أن أحداً منهم يعتد به خالف فى أن سنة رسول الله إذا صح نقلها وجب اتباعها.
وثالثهما: أن القرآن فرض الله فيه على الناس عدة فرائض مجملة غير مبينة، لم تفصل في القرآن أحكامها ولا كيفية أدائها، فقال تعالى: " أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ". و" كتب عليكم الصيام ". " ولله على الناس حج البيت " 0 ولم يبين كيف تقام الصلاة وتؤتى الزكاة ويؤدى الصوم والحج. وقد بين الرسول هذا الإجمال بسنته القولية والعملية، لأن الله سبحانه منحه سلطة هذا التبيين بقوله عز شأنه: " وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ".
فلو لم تكن هذه السنن البيانية حجة على المسلمين، وقانوناً واجباً اتباعه ما أمكن تنفيذ فرائض القرآن ولا اتباع أحكامه. وهذه السنن البيانية إنما وجب اتباعها من جهة أنها صادرة عن الرسول، ورويت عنه بطريق يفيد القطع بورودها عنه أو الظن الراجح بورودها. فكل سنة تشريعية صح صدورها عن الرسول فهي حجة واجبة الاتباع، سواء أكانت مبينة حكماً في القرآن أم منشئة حكماً