عنه على وجه الإلزام. فقوله تعالى: {فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} [المائدة:38] ، أفاد إيجاب قطع يد السارق والسارقة، وقوله: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة:228] ، أفاد إيجاب تربص المطلقة ثلاث قروء. واللفظ عند إطلاقه يدل على معناه الحقيقي الذي وضع له، ولا يصرف معناه الحقيقي غلا بقرينة، فإن وجدت قرينة تصرف صيغة الأمر عن الإيجاب إلى معنى آخر فهم منها ما دلت عليه القرينة كالإباحة في قوله: {كلوا واشربوا} [البقرة:187] ، والندب في قوله: {إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ 0000} على قوله: {.... مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة:282] ، والتهديد في قوله: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت:40] ، والتعجيز في قوله: {فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ} [البقرة:23] ، وغير ذلك مما تدل عليه صيغة الأمر بالقرائن. وإذا لم توجد قرينة اقتضى الأمر الإيجاب. وبعض الأصوليين ذهبوا إلى أن صيغة الأمر مشترك بين عدة معان ولابد من قرينة لتعيين احد معانيه شأن كل مشترك، فهو موضوع لمعان متعددة.
وصيغة الأمر لا تدل لغة على أكثر من طلب إيجاد الفعل المأمور به، ولا تدل على طلب تكرير الفعل المأمور به، ولا على وجوب فعله فوراً، فالتكرير أو المبادرة بالفعل لا تدل الصيغة عند إطلاقها على واحد منهما، لأن المقصود الآمر هو حصول المأمور به، وهذا المقصود يتحقق بوقوعه مرة في أي وقت، فإن وجدت قرينة تدل على التكرير كان هذا التكرير مستفاداً من القرينة لا من الصيغة. وكذلك إن وجدت قرينة تدل على المبادرة، ففي قوله تعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة:185] ، استفيد تكرير طلب الصيام من تعليق الأمر به بشرط متكرر وهو شهود الشهر، كأنه قال: فكلما شهد أحدكم الشهر أحدكم الشهر وجب عليه الصيام، وكذا في قوله: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء:78] .
وفي الواجبات المحددة بأوقات استفيدت المبادرة من تحديد وقت للواجب يفوت بانتهائه.
وفي الأوامر بالخيرات استفيدت المبادرة من قوله تعالى: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} [آل عمران:123] ، وقوله: {فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ} [البقرة:148] .