ما يثبت به من الأحكام الكلية، فالأصولي يبحث في القياس وحجيته، والعام وما يقيده، والأمر وما يدل عليه وهكذا..
وإيضاحاً لهذا أضرب المثل الآتي:
القرآن هو الدليل الشرعي الأول على الأحكام، ونصوصه التشريعية لم ترد على حال واحدة، بل منها ما ورد بصيغة الأمر، ومنها ما ورد بصيغة النهي، ومنها ما ورد بصيغة العموم أو بصيغة الإطلاق، فصيغة الأمر، وصيغة النهي، وصيغة العموم، وصيغة الإطلاق، أنواع كلية من أنواع الدليل الشرعي العام، وهو القرآن.
فالأصولي يبحث في كل نوع من هذه الأنواع ليتوصل إلى نوع الحكم الكلي الذي يدل عليه مستعيناً في بحثه باستقراء الأساليب العربية والاستعمالات الشرعية، فإذا وصل ببحثه إلى أن صيغة الأمر تدل على الإيجاب وصيغة النهي تدل على التحريم وصيغة العموم تدل على شمول جميع أفراد العام قطعاً، وصيغة الإطلاق تدل على ثبوت الحكم مطلقاً، وضع القواعد الآتية: الأمر للإيجاب، النهي للتحريم، العام ينتظم جميع أفراده قطعاً المطلق يدل على الفرد الشائع بغير قيد.
وهذه القواعد الكلية وغيرها مما يتوصل الأصولي ببحثه إلى وضعها يأخذها الفقيه قواعد مُسَلَّمَة ويطبقها على جزيئات الدليل الكلي ليتوصّل بها إلى الحكم الشرعي العملي التفصيلي، فيطبق قاعدة: الأمر للإيجاب على قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} (المائدة:1) ويحكم على الإيفاء بالعقود بأنه واجب. ويطبق قاعدة: النهي للتحريم، على قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم} (الحجرات:11) . ويحكم بأن سخرية قوم من قوم محرمة. ويطبق قاعدة: العام ينتظم جميع أفراده قطعاً: على قوله تعالى: {حرمت عليكم أمهاتكم} (النساء: 23) ويحكم بأن كل أمّ مُحرّمة. ويطبق قاعدة: المطلق يدل على أي فرد على قوله تعالى في كفارة الظهار: {فتحرير رقبة} (المجادلة:3) ، ويحكم بأنه يجزئ في التفكير تحرير أية رقبة مسلمة أو غير مسلمة.
ومن هذا يتبين الفرق بين الدليل الكلي والدليل الجزئي، وبين الحكم الكلي والحكم الجزئي.
فالدليل الكلي هو النوع العام من الأدلة الذي تندرج فيه عدة جزيئات مثل