ترك الواجب للعذر، أو باستثناء بعض العقود من الأحكام الكلية للحاجة، كلها ترجع عند التحقيق إلى إباحة المحظور للضرورة أو الحاجة.
وعلماء الحنفية قسموا الرخصة إلى قسمين: رخصة ترفيه، ورخصة إسقاط، وفرقوا بينهما بأن رخصة الترفية بكون حكم العزيمة معها باقيا ودليله قائما ولكن رخص في تركه تخفيفا وترفيها عن الكف، ومثلوا لهذا بمن أكره على التلفظ بكلمة الكفر، على إتلاف مال غيره، أو على الفطر برمضان. وقالوا إن النص المرخص لم يسقط حرمة التلفظ بكلمة الكفر عمن أكره عليه، ولكن استثنى من أكره من غضب الله عليه واستحقاقه العذاب، قال تعالى {مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللهِ} [النحل: 106] ولكن يلاحظ أن الله قال: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [المائدة:3] ، وقال: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] فقد استثنى المضطر من الإثم، كما استثنى المكره على التلفظ من الإثم واستحقاق العذاب.
بل إن قوله سبحانه: {فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [المائدة:3] ، يشعر بأنه فعل محرماً ولكن الله لم يعاقبه عليه رحمة منه. وقالوا كذلك: لم يسقط الإكراه حرمة إتلاف مال الغير ولا حرمة الفطر في رمضان، بل الحرمة مع الإكراه ثابتة، وإنما المقصود بالإباحة الترفيه عن المكلف. ولبقاء هذه الحرمة قالوا: إن العمل بالعزيمة أولى وإن من تمسك بالعزيمة واحتمل ما كره عليه حتى مات، مات شهيدا.
وأما رخصة الإسقاط فلا يكون حكم العزيمة معها باقيا، بل إن الحال التي استوجبت الترخيص أسقطت حكم العزيمة، وجعلت الحكم المشروع فيها هو الرخصة ومثلوا لهذا بإباحة أكل الميتة أو شرب الخمر عند الجوع والظمأ، وقصر الصلاة في السفر. فالمضطر إلى أكل الميتة أو شرب الخمر سقطت حرمتهما عنه في حال اضطراره، لأن الله سبحانه بعد ان بين هذه المحرمات قال: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [المائدة:3] ، وهذا يقتضي رفع