ومما يبني على هذا التقسيم أن المحرم أصالة غير مشروع أصلاً، فلا يصلح سببا شرعيا ولا تترتب أحكام شرعية عليه بل يكون باطلا، ولهذا كانت الصلاة بغير طهارة باطلة، وزواج إحدى المحارم مع العلم بالحرمة باطلا، وبيع الميتة باطلا، والباطل شرعا لا يترتب عليه حكم.
وأما المحرّم لعارض فهو في ذاته مشروع فيصلح سبباً شرعياً وتترتب عليه آثاره، لأن التحريم عارض له وليس ذاتيا. ولهذا كانت الصلاة في ثوب مغصوب صحيحة ومجزئة وهو آثم للغصب. والبيع الذي فيه غش صحيح، والطلاق البدعي واقع، والعلة في هذا أن التحريم لعارض لا يقع به خلل في أصل السبب لا في وصفه ما دامت أركانه وشروطه مستوفاة.
وأما التحريم الذاتي فهو يجعل الخلل في أصل السبب ووصفه بفقد ركن أن شرط من أركانه وشروطه فيخرج عن كونه مشروعا.
تعريفه:
المكروه هو ما مطلب الشارع من المكلف الكف عن فعله طلبا غير حتم، بأن تكون الصيغة نفسها دالة على ذلك، كما إذا ورد أن الله كره لكم كذا، أو كان منهيا عنه، واقترن النهي بما يدل على أن النهي لكراهة لا للتحريم، مثل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة:101] ، أو كان مأمورا باجتنابه ودلت القرينة على ذلك، مثل: {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9]
فالمطلوب الكف عن فعله؛ إن كانت صيغة طلبه نفسها تدل على أنه طلب حتم فهو المحرم، مثل: حرم عليكم كذا.
وإن كانت الصيغة نفسها تدل على أن طلب غير حتم فهو المكروه، مثل: كره لكم كذا.
وإن كانت الصيغة نهيا مطلقا، أو أمرا الاجتناب مطلقا، استدل بالقرائن على أن طلب حتم أو غير حتم.
ومن القرائن ترتيب العقوبة على الفعل وعدم ترتيبها، ولهذا عرَّف بعض الأصوليين المحرم بأنه ما استحق فاعله العقوبة، والمكروه بأنه ما لا يستحق فاعله العقوبة، وقد يستحق اللوم.