علل النحو (صفحة 314)

أَو الْخَوْف، لم يجز أَن يَقع بعده إِلَّا (أَن) الْخَفِيفَة نَفسهَا الناصبة للأفعال، لِأَن بَاب الرَّجَاء وَالْخَوْف لَيْسَ بِأَمْر مستو، والمشددة إِنَّمَا تدخل لتحقيق الْكَلَام، فَجَاز أَن تدخل بعد الْعلم، وَمَا جرى مجْرَاه، لِأَنَّهُ شَيْء ثَابت فتحققه ب (أَن) . وَأما الرَّجَاء وَالْخَوْف فَلَمَّا لم يكن شَيْئا ثَابتا، اسْتَحَالَ تَحْقِيقه، فَلذَلِك لم يجز أَن تدخل بعده الْمُشَدّدَة، إِلَّا على ضرب من التَّأْوِيل، وَحمله على بَاب الظَّن، إِذْ كَانَ قد أجري مجْرى الْعلم لما ذَكرْنَاهُ، وَكَذَلِكَ يجوز أَن تجْرِي الْحُرُوف مجْرى الظَّن، لما بَينهمَا من المشابهة.

فَإِن قَالَ قَائِل: فَلم زعمتم أَن (أَن) لَيست باسم، وَأَنَّهَا مَعَ بعْدهَا اسْم، وخالفت حكم (الَّذِي) بِالْفَصْلِ بَينهمَا؟

قيل لَهُ: إِن (أَن) لَو كَانَت فِي نَفسهَا اسْما، لم يجز أَن تَخْلُو صلتها من ضمير يرجع إِلَيْهَا، كَمَا أَن (الَّذِي) لما كَانَ اسْما فِي نَفسه، لم يجز أَن يُوصل بجملة إِلَّا وفيهَا ذكر يرجع إِلَيْهِ، أَلا ترى أَنَّك تَقول: قد علمت أَنَّك تقوم، وَلَا يجوز: علمت الَّذِي أَنْت تقوم، حَتَّى تَقول: إِلَيْهِ، فَلذَلِك افْتَرقَا.

وَاعْلَم أَن (إِن) الَّتِي تزاد بعد (مَا) ، إِنَّمَا زيدت بعد (مَا) لتلغي مَعهَا (مَا) ، فَلَا تعْمل، أَعنِي (مَا) فِي لُغَة أهل الْحجاز، وَإِنَّمَا وَجب إبِْطَال عَملهَا عِنْد دُخُول (إِن) عَلَيْهَا، كَمَا وَجب إبِْطَال عمل (إِن) ، إِذا دخلت (مَا) عَلَيْهَا، وَقد بَينا ذَلِك فِيمَا مضى، وَيجوز أَن يكون زادوها بعد (مَا) لتوكيد معنى النَّفْي، إِذْ كَانَت (إِن) قد تسْتَعْمل للنَّفْي.

وَاعْلَم أَن (إِن) الَّتِي بِمَعْنى (مَا) مُخْتَلف فِيهَا، فبعض النَّحْوِيين يعملها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015