علل النحو (صفحة 146)

الخفة، فَإِذا جعلت الظّرْف مَفْعُولا على سَعَة الْكَلَام أضمرته، كَمَا تضمر الْمَفْعُول (32 / أ) فَقلت: الْيَوْم قمته، كَمَا تَقول: زيد ضَربته، قَالَ الشَّاعِر:

(وَيَوْم شهدناه سليما وعامرا ... قَلِيل سوى الطعْن النهال نوافله)

فَإِن قَالَ قَائِل: فَمَا الَّذِي أحْوج إِلَى نقل هَذِه الظروف إِذا أُقِيمَت مقَام الْفَاعِل؟

قيل لَهُ: لِأَن الْفِعْل لَا يتَعَلَّق بِهِ الْفَاعِل بِوَاسِطَة بَينه وَبَين الْفِعْل، فَلَو لم تنقل هَذِه الظروف إِلَى بَاب الْمَفْعُول، كَمَا قد أقمناها مقَام الْفَاعِل، وَهِي مَعَ ذَلِك متضمنة لحرف الْجَرّ، وَلَيْسَ ذَلِك حد الْفَاعِل، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَن يكون مَا قَامَ مقَامه لَا يحْتَاج إِلَى حرف الْجَرّ، فَهَذَا سَبَب نقل هَذِه الظروف.

فَإِن قَالَ قَائِل: فالمصدر لَا يتَضَمَّن حرف الْجَرّ فَهَل يحْتَاج إِلَى نقل؟

قيل لَهُ: نعم، وَإِنَّمَا وَجب نَقله لِأَن الْفِعْل يدل عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا نذكرهُ بعد الْفِعْل توكيدا، كَقَوْلِك: ضربت ضربا، وَالَّذِي أوجب لَهَا النَّقْل شَيْئَانِ:

أَحدهمَا: أَن النَّقْل لَا بُد لَهُ من فَاعل، فَصَارَ اعْتِمَاد الْكَلَام على الْفَاعِل، والمصدر لَو لم يذكر لدل عَلَيْهِ الْفِعْل، فَلم يجز أَن نقيمه مقَام الْفَاعِل على أَصله، لِأَن ذَلِك يُؤَدِّي إِلَى أَن يصير الْفَاعِل لَا يحْتَاج إِلَيْهِ، فَوَجَبَ أَن تنقله إِلَى حكم الْمَفْعُول الَّذِي يدل الْفِعْل عَلَيْهِ، لتحصل الْفَائِدَة، وَلَا يجوز إِسْقَاطه.

وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن الْمصدر لما كَانَ يذكر لتوكيد الْفِعْل جرى مجْرى الْفِعْل، فَصَارَ قَوْلك: قُمْت قيَاما، فَلَمَّا كَانَ الْفِعْل لَا يقوم مقَام الْفَاعِل، وَكَذَلِكَ مَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015