إِن قَالَ قَائِل: لم وَجب (29 / أ) أَن يرفع الْفَاعِل، وَينصب الْمَفْعُول بِهِ؟
فَفِي ذَلِك أوجه:
أَحدهَا: أَنهم فصلوا هَذَا الْفَصْل بَين الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ بِالنّصب، لِأَن الْفَاعِل أقل من الْمَفْعُول فِي الْكَلَام، وَذَلِكَ أَن الْفِعْل الَّذِي يتَعَدَّى يجوز أَن تعديه إِلَى أَرْبَعَة أَشْيَاء، فَلَمَّا كَانَ الْفَاعِل أقل فِي الْكَلَام من الْمَفْعُول، جعلت لَهُ الْحَرَكَة الثَّقِيلَة، وَجعل لما تقدم فِي كَلَامهم الْحَرَكَة الْخَفِيفَة ليعتدلا.
وَوجه آخر: وَهُوَ أَن الْفَاعِل قد بَينا أَنه مشبه للمبتدإ، إِذْ كَانَ هُوَ وَالْفِعْل جملَة، فَحسن عَلَيْهَا السُّكُوت، كَمَا أَن الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر جملَة يحسن عَلَيْهَا السُّكُوت، فَلَمَّا وَجب للمبتدإ أَن يكون مَرْفُوعا، حمل الْفَاعِل عَلَيْهِ.
وَوجه آخر: وَهُوَ أَن الْفَاعِل لما كَانَ فِي التَّرْتِيب أسبق من الْمَفْعُول وَجب أَن يعْطى حَرَكَة أول الْحَرْف مخرجا، كَمَا أَنه قبل الْمَفْعُول، وَإِنَّمَا وَجب الِابْتِدَاء بالفاعل على الْمَفْعُول، لِأَنَّهُ الْفِعْل مِنْهُ يحدث، فَصَارَ أَحَق بالتقديم من الْمَفْعُول، فَوَجَبَ لهَذِهِ الْعلَّة أَن يرتب قبله، وَأَيْضًا فَإِن الْفِعْل يَسْتَغْنِي بالفاعل عَن الْمَفْعُول، نَحْو: قَامَ زيد، فَصَارَ الْمَفْعُول فضلَة يذكر بعد الْفَاعِل، فَلهَذَا وَجب تَقْدِيم الْفَاعِل عَلَيْهِ.
وَوجه آخر فِي اسْتِحْقَاق الْفَاعِل الرّفْع: أَن الْفَاعِل أقوى من الْمَفْعُول، لِأَنَّهُ يحدث الْفِعْل، فَوَجَبَ أَن يعْطى أقوى الحركات، وَهُوَ الضَّم، وَالْمَفْعُول لما كَانَ