الْجمع بَين توكيدين، وَالْبَاء (27 / أ) قد بَينا أَنَّهَا لتوكيد النَّفْي، فقبح أَيْضا أَن يجمع بَينهمَا لاشْتِرَاكهمَا فِي الْمَعْنى.
فَإِن قَالَ قَائِل: فقد جوزت أَن تلِي الْبَاء (مَا) فِي قَوْلك: مَا بقائم زيد، وَاللَّام لَا يجوز أَن تدخل على (إِن) بِحَال، فَمَا الْفَصْل بَينهمَا؟
فَالْجَوَاب فِي ذَلِك: أَن اللَّام مجردها يُفِيد التوكيد للجملة الَّتِي تدخل عَلَيْهَا كَمَا تفِيد (إِن) ، وهما جوابان للقسم، فقبح الْجمع بَينهمَا لاشْتِرَاكهمَا فِي معنى وَاحِد، وَأما الْبَاء فَلَيْسَتْ فِي نَفسهَا للنَّفْي، وَإِنَّمَا هِيَ مُؤَكدَة لمعناها، وَلأَجل مخالفتها فِي الْمَعْنى لحكم النَّفْي جَازَ أَن تليه، فَلهَذَا خَالَفت اللَّام الْبَاء لما ذَكرْنَاهُ.
فَإِن قَالَ قَائِل: أَلَيْسَ تَقول: جَاءَنِي الْقَوْم كلهم أَجْمَعُونَ، فتجمع بَين توكيدين، فَهَلا جَازَ الْجمع بَين اللَّام وَإِن؟
فَالْجَوَاب فِي ذَلِك: أَن (أَجْمَعِينَ) يُفِيد مَا لَا يفِيدهُ (كلهم) ، وَذَلِكَ أَن قَول الْقَائِل: جَاءَنِي الْقَوْم كلهم، يُفِيد مجيئهم، وَالدَّلِيل على أَنه لم يبْق بَعضهم، و (أَجْمَعُونَ) يُفِيد مَا أَفَادَ (كلهم) وَيزِيد اجْتِمَاعهم فِي حَال الْمَجِيء، فَلَمَّا اخْتلف معنى التوكيدين، جَازَ الْجمع بَينهمَا، وقبح الْجمع بَين (اللَّام وَإِن) لاتِّفَاقهمَا فِي الْمَعْنى.
فَإِن قَالَ قَائِل: أَلَيْسَ قد تَقول: جَاءَنِي الْقَوْم أَجْمَعُونَ أكتعون أبصعون، وكل هَذِه الْأَلْفَاظ الَّتِي بعد (أَجْمَعِينَ) لَا تفِيد إِلَّا مَا تفِيد (أَجْمَعُونَ) وَقد جمعت