"والسابقون الأولون هم الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، الذين هم أفضل ممن أنفق من بعد الفتح وقاتل دخل فيهم أهل بيعة الرضوان وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة فكيف يقال: إن سابق هذه الأمة واحد".
الوجه الرابع: دعواهم أن هذه الفضيلة لم تثبت لغيره من الصحابة ممنوع فإن الناس متنازعون في أول من أسلم فقيل أبو بكر أول من أسلم فهو أسبق إسلاماً من علي وقيل: إن علياً أسلم قبله لكن علي كان صغيراً وإسلام الصبي فيه نزاع بين العلماء ولا نزاع في أن إسلام أبي بكر أكمل وأنفع فيكون هو أكمل سبقاً بالاتفاق وأسبق على الإطلاق على القول الآخر فكيف يقال: علي أسبق منه بلا حجة تدل على ذلك.
الوجه الخامس: أن هذه الأفضلية للسابقين الأولين لم تدل على أن كل من كان أسبق إلى الإسلام كان أفضل من غيره وإنما يدل على أن السابقين أفضل قوله تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} 1. فالذين سبقوا إلى الإنفاق والقتال قبل الحديبية أفضل ممن بعدهم فإن الفتح فسره النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية2.
وإذا كان أولئك السابقون قد سبق بعضهم بعضاً إلى الإسلام فليس في الآيتين ما يقتضي أن يكون أفضل مطلقاً بل قد يسبق إلى الإسلام من سبقه غيره إلى الإنفاق والقتال ولهذا كان عمر رضي الله عنه ممن أسلم بعد تسعة وثلاثين وهو أفضل من أكثرهم بالنصوص الصحيحة وبإجماع الصحابة والتابعين وما علمت أحد قط قال: إن الزبير ونحوه أفضل من عمر والزبير أسلم قبل عمر ولا قال من يعرف من أهل العلم أن عثمان أفضل من عمر، وعثمان أسلم قبل عمر وإن كان الفضل بالسبق إلى الإنفاق والقتال فمعلوم أن أبا بكر أخص بهذا فإنه