فإن قيل تكريرهم لهذا المعنى للعدول يشعر بأنه معدول عن غير مكرر، كما جاء في الخبر: (صلاة الليل مثنى مثنى) فالجواب أن تكرير مثنى للمبالغة في التوكيد، فكأنه قيل صلاة الليل اثنتان اثنتان اثنتان اثنتان فكرر أربع مرات لأن مثنى بمنزلة اثنين مرتين، وهذا التكرير بمنزلة ضربت زيدًا زيدًا، فإذا كررت اثنين اثنين فالتكرير معنوي، لقصدك اثنين بعد اثنين، ولو كان لفظيًا كان سقوطه وثبوته واحدًا، ولا شبهة في أن المعنى يتفاوت بخلاف مثنى الثاني في الخبر، وجاز تكرير مثنى وإن قبح تكرير (اثنان) أربع مرات لأن مثنى أقصر، لأنه مفرد، وإن كان للمبالغة فلا ينفي ما ذكرنا من أنه معدول عن المكرر.
وقال أبو علي في "الإغفال": لا يوهمنا قول النحويين أنه معدول عن اثنين اثنين أنهم يريدون بمثنى العدل عنهما، إنما ذلك تفسير اللفظ المعدول عنها كما يوهمون، أي يعتبرون قولهم هو خير رجل في الناس، وهما خير اثنين في الناس، أن المعنى هما خير اثنين إذا كان الناس اثنين، وخير الناس إذا كان الناس رجلاً رجلاً، فكذلك يريدون بقولهم: (مثنى) المعدول عن اثنين اثنين، أنه مراد به اثنين لا على اللفظين جميعًا، وإنما المعدول عنه لا يكون إلا اسمًا مفردًا كالمعدول، ألا ترى أن جميع المعدولات أسماء مفردة كما أن المعدول عنها كذلك؟.
قال الشيخ بهاء الدين: لقد بيّن الشيخ أبو علي كلّ البيان هنا. لأن العدل نوع من الاشتقاق، فلا يكون من كلمتين. وأما عبشمي وعبقسي فمن القلّة بحيث لا ننظر إليه، وإن اشتقّ بعض أهل اللغة من كلمتين فليس تحقيقًا عند أهل النظر. وأمّا الوصف فهذا المعدول لزم الوصفية، إذ لا يقال: جاءني ثلاث، إنما يقال: جاءني رجال ثلاث، وإنما امتنعوا من أن يجروه غير صفة لأنه معدول عن مكرر، وكما لا يجوز جاءني ثلاثة ثلاثة لأنه لا يكون إلا تابعًا لمثنى فكذلك ثلاث، فلما لم يقع إلاّ تابعًا، وصفًا أو غير وصف، كقولك خرج القوم مثنى، فكذلك قال النحاة إنه صفة، واعتدّ فيه بالوصفية فصارت سببًا، فهذا هو القول المنصور في منع صرف (مثنى) وبابه.