زَمَاننَا بممارسة الْفِقْه وَهِي طَرِيق تَحْصِيل الدِّرَايَة فِي هَذَا الزَّمَان وَلم يكن الطَّرِيق فِي زمن الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم ذَلِك قلت هَذَا إِشَارَة إِلَى أَن الإجتهاد الْمُطلق المنتسب لَا يتم إِلَّا بِمَعْرِِفَة نُصُوص الْمُجْتَهد المستقل وَكَذَلِكَ لَا بُد للمستقل من معرفَة كَلَام من مضى من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وتبعهم فِي أَبْوَاب الْفِقْه وَهَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ من شَرط الإجتهاد مَبْسُوط فِي كتب الْأُصُول وَلَا بَأْس أَن نورد كَلَام الْبَغَوِيّ فِي هَذَا الْموضع قَالَ الْبَغَوِيّ والمجتهد من جمع خَمْسَة أَنْوَاع من الْعلم علم كتاب الله عز وَجل وَعلم سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأقاويل عُلَمَاء السّلف من أجماعهم وَاخْتِلَافهمْ وَعلم اللُّغَة وَعلم الْقيَاس وَهُوَ طَرِيق استنباط الحكم من الْكتاب وَالسّنة إِذا لم يجده صَرِيحًا فِي نَص كتاب أَو سنة أَو إِجْمَاع فَيجب أَن يعلم من علم الْكتاب النَّاسِخ أَو الْمَنْسُوخ والمجمل والمفصل وَالْخَاص وَالْعَام والمحكم والمتشابه وَالْكَرَاهَة وَالتَّحْرِيم وَالْإِبَاحَة وَالنَّدْب وَالْوُجُوب وَيعرف من السّنة هَذِه الْأَشْيَاء وَيعرف مِنْهَا الصَّحِيح والضعيف والمسند والمرسل وَيعرف تَرْتِيب السّنة على الْكتاب وترتيب الْكتاب على السّنة حَتَّى لَو وجد حَدِيثا لَا يُوَافق ظَاهره الْكتاب يَهْتَدِي إِلَى وَجه محمله فَإِن السّنة بَيَان الْكتاب وَلَا تخَالفه وَإِنَّمَا يجب معرفَة مَا ورد مِنْهَا فِي أَحْكَام الشَّرْع دون مَا عَداهَا من الْقَصَص وَالْأَخْبَار والمواعظ وَكَذَلِكَ يجب أَن يعرف من علم اللُّغَة مَا أَتَى فِي كتاب أَو سنة فِي أُمُور الْأَحْكَام دون الْإِحَاطَة بِجَمِيعِ لُغَات الْعَرَب وَيَنْبَغِي أَن يتحرج فِيهَا بِحَيْثُ يقف على مرامي كَلَام الْعَرَب فِيمَا يدل على المُرَاد من اخْتِلَاف الْمحَال وَالْأَحْوَال لِأَن الْخطاب ورد بِلِسَان الْعَرَب فَمن لم يعرفهُ لَا يقف على مُرَاد الشَّارِع وَيعرف أقاويل الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فِي الْأَحْكَام ومعظم فتاوي فُقَهَاء الْأمة حَتَّى لَا يَقع حكمه مُخَالفا لأقوالهم فَيكون فِيهِ خرق الْإِجْمَاع وَإِذا عرف من كل من هَذِه الْأَنْوَاع معظمه فَهُوَ حِينَئِذٍ مُجْتَهد وَلَا يشْتَرط معرفَة جَمِيعهَا بِحَيْثُ لَا يشذ عَنهُ شَيْء مِنْهَا وَإِذا لم يعرف نوعا من هَذِه الْأَنْوَاع فسبيله التَّقْلِيد وَإِن كَانَ متبحرا فِي مَذْهَب وَاحِد من آحَاد أَئِمَّة السّلف فَلَا يجوز لَهُ تقلد الْقَضَاء وَلَا الترصد للفتيا وَإِذا جمع هَذِه الْعُلُوم وَكَانَ مجانبا للأهواء والبدع مدرعا بالورع محترزا عَن الكباتر غير مصر على الصَّغَائِر جَازَ لَهُ أَن يتقلد