31. يعتبر نظام الملك عبقرياً في الفكر الاستراتيجي للدول وقد رأى أن العقائد لا يمكن القضاء عليها بالقوة العسكرية ولا القرار السياسي وكذلك الأفكار والثقافات وقد لاحظ اهتمام الدولة الفاطمية بإعداد الدعاة من خلال المعاهد والمناهج، والإنفاق وإرسال الدعاة لنشر الفكر الشيعي الرافضي الباطني ولا يبدأ الداعي بالتبشير للمذهب الفاطمي إلا بعد خضوعه لبرامج تعليمية تعد بعناية خاصة في عاصمة الخلافة الفاطمية، لإعداد الدعاة وتثقيفهم ثقافة مذهبية واسعة قبل إرسالهم إلى البلاد الإسلامية لنشر المذهب الإسماعيلي وكان لذلك أثره في رواج هذا المذهب في بعض مناطق الشرق الإسلامي نتيجة لهذه الجهود المنظمة المستمرة في نشر هذه الدعوة، لذلك كله فكر نظام الملك في أن يقاوم النفوذ الشيعي بنفس الأسلوب الذي ينتشر به ومعنى ذلك أنه رأى أن يقرن المقاومة السياسية للشيعة بمقاومة فكرية، أيضاً وتربية الأمة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وعقيدة أهل السنة والجماعة المستمدة من الوحي الإلهي ومن هنا كان تفكيره في إنشاء المدارس النظامية التي نسبت إليه، لأنه جد في إنشائها وخطط لها وأوقف عليها الأوقاف الواسعة، واختار لها الأكفاء من الأساتذة فكان من الطبيعي أن تنسب إليه من دون السلاجقة.

32. لقد كان النظام شافعياً سنياً حريصاً على الإسلام الصحيح وقد عاصرت نظام الملك آراء وأفكار متباينة مختلفة كانت منتشرة في العالم الإسلامي، كالمعتزلة والباطنية وبقايا القرامطة وغيرهم من أصحاب الملل والنحل وكان نظام الملك يرمي بدرجة كبيرة إلى توجيه الرعية وجهة تخدم مصلحة الدولة وتبعث على الاستقرار والسكينة والأمن، لذا كان هم نظام الملك التأكيد على مواضع الدراسة على إفهام الناس عامة ومنتسبي النظامية خاصة أصول الدين الصحيحة، ولما كان نظام الملك شافعياً، كان يرى أن يدرس الفقه والأصول المستمدة من أفكار وأراء الشافعية وكان من شروط النظامية أن يكون المدرس من الشافعية أصلاً وفرعاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015