الدين، بل كان يجتهد منُذ استقرار نفوذه في مصر إلى الاستقلال عنه، ومزاحمته السيادة السياسية ببلاد الشام، فكل هذه الآراء (?)، كتبها ابن الأثير بعد وفاة صلاح الدين، واضطرار صلاح الدين إلى الخروج على رأس عساكره إلى بلاد الشام، وضم ممتلكات أستاذه نور الدين بها إلى ممتلكاته بمصر إذ أن خروج صلاح الدين إلى الشام كان من أجل إعادة الجبهة الإسلامية الموحدة، التي كان عماد الدين زنكي ثم ابنه نور الدين قد أجهد نفسيهما طويلاً في تكوينها، وكانت بعد وفاة نور الدين على وشك أن تنفصم وترجع الأوضاع إلى ما كانت عليه سابقاً من سوء وتشرذم وضعف، بعد انقسام البيت الزنكي، حزب في دمشق وحزب في حلب، ولم يستطع ابنه الطفل الصالح إسماعيل إعادة توحيد مملكة والده (?)، ولقد كتب صلاح الدين إلى الخليفة العباسي، وإلى ابن نور الدين يخبره أن خروجه للشام، هو لتوحيد كلمة المسلمين ضد الفرنج (?)،
وأغلب الظن أن هذه الأقوال التي رددها ابن الأثير، ونقلها عنه بعض المؤرخين بخصوص عدم ولاء صلاح الدين للبيت الزنكي، والروايات التي قيلت حول هذا الموضوع، قد صاغها المؤرخون وعلى رأسهم ابن الأثير لتعليل مسلك صلاح الدين بعد وفاة نور الدين وكان وراءها ولاء ابن الأثير للبيت الزنكي، ثم عدم تعاطفه مع صلاح الدين، الذي قضى على هذا البيت وممتلكاته من ناحية أخرى خاصة وقد لاحظ المؤرخون المحدثون أن ابن الأثير قد تحامل على صلاح الدين في تاريخه الكامل والباهر، وتلمس له مواضع الزلل، وأسباب الخطأ (?). وفي الحقيقة أن صلاح الدين كان نعم الجندي في السمع والطاعة لقائده نور الدين زنكي وإليك الأدلة على ذلك:
1 - قال العماد الأصفهاني أن صلاح الدين كان: لا يخرج عن أمر نور الدين، ويعمل له عمل القوي الأمين ويرجع في جميع مصالحه إلى رأيه المتين (?).
2 - وأما أبو شامة، فقد عمد إلى تفنيد اتهامات ابن الأثير لصلاح الدين بخصوص خروجه عن طاعة نور الدين، وفي رأي أبي شامة، أن نور الدين لم ينتقد على صلاح الدين إلا إسرافه في تفريق الأموال وصرفها واستبداده بذلك من غير مشاروته (?) ويؤكد أبو شامة رأيه، بوثيقة وقف عليها بنفسه، بخط نور الدين، يقرر فيها للقاضي شرف الدين بن أبي