كليرفو الذي كان يتمتع بشهرة كبيرة ويفوق الملك في السلطة على حد تعبير المؤرخ الإنجليزي رانسيمان، فقد كان له قدرة عظيمة على الإقناع والتأثير في الناس، ولم يكد الملك لويس السابع والبابا ييوجينيوس يطلبان منه القيام بالدعوة للحملة الصليبية حتى أسرع القديس برنارد لتلبية هذا الطلب والعمل بكل قواه من أجل إنجاح هذا المسعى (?)، وكما وقف الباب أوربان الثاني في كليرمونت يدعو للحملة الصليبية الأولى قبل ذلك بخمسين سنة وقف القديس برنارد خارج كنيسة فيزيليه في شوال 540هـ/مارس 1146م يدعو للحملة الصليبية الثانية، ونفذ ببلاغته إلى قلوب متعطشة للحرب والمغامرة فتشتعل ناراً، فلما استمع الناس لسحر بيانه وبلاغته وفصاحته، أخذوا يصيحون طالبين الصلبان، وعندئذ خلع القديس برنارد أرديته الخارجية فقطعت وحيكت صلبانا، وظل هذا القديس ومساعدوه يخيطون الصلبان لكل الذين تطوعوا للاشتراك في هذه الحملة (?) وبعد عدة أيام كتب القديس برنارد رسالة إلى البابا يتضح منها مدى تأثير رجال الدين المسيحي في الناس ومدى طاعة الناس لهم - في ذلك الوقت - فيقول فيها: لقد أمرتم، فأطعت، وما كان لمن أصدر الأمر من سلطة، جعلت طاعتي مثمرة، فلم أكد أفتح فمي وأتحدث حتى تكاثر الصليبيون، فلاحصر لعددهم، فالقرى والمدن هجرها سكانها، فلا تكاد تجد رجلاً واحداً لكل سبع نساء ويصادفك في كل مكان الأرامل اللائي لا زال أزوجهن أحياء (?).
وبعد ذلك أخذ الحماس يزداد عند القديس برنارد بعد النجاح الذي أحرزه في فرنسا، فأخذ يطوف أقاليم ألمانيا مؤملاً أن يجتذب الألمان للاشتراك في هذه الحملة وقد نجح إلى حد كبير في التأثير على كونراد الثالث ملك ألمانيا للانضمام إلى الحرب المقدسة، ويطلب منهم أن يقوموا بشرح الإعلان البابوي الذي بعث به البابا إلى كافة مدن أوروبا من أجل أن يتحمل الجميع مسؤولية مساعدة الأرض المقدسة بفلسطين والعمل على تحريرها (?)، واستقر رأي المشاركين في هذه الحملة على مهاجمة دمشق واحتلالها واشترك رجال الدين المسيحي جنباً إلى جنب مع الجند في حصار دمشق فكان مع الملك الألماني كونراد قسيس عجوز يدعى إلياس، طويل اللحية، يعتقدون به، فلما حاصروا دمشق، ركب هذا القسيس حماره وعلق على عنقه صليبياً وحمل في يده صليبياً وجمع القساوسة بالصلبان وركب الملوك والفرسان بين يديه، ولم يتخلف من الصليبيين المشاركين في الحصار أحد إلا من تركوه لحفظ الخيام. ووقف هذا